تعريف الجريمة وعلة التجريم والعقاب
فالجريمة إذن هي إتيان فعل محّرم معاقب على فعله، أو ترك فعل محرّم الترك معاقب على تركه،
أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.
ويتبين من تعريف الجريمة أن الفعل أو الترك لا يعتبر جريمة إلا إذا تقررت عليه عقوبة.
ويعبر الفقهاء عن العقوبات بالأجزية، ومفردها جزاء، فإن لم تكن على الفعل أو ترك عقوبة فليس بجريمة.
وتتفق الشريعة تمام الإتفاق مع القوانين الوضعية الحديثة في تعريف الجريمة،
فهذه القوانين تعرف الجريمة بأنها:
إما عمل يحرمه القانون، وإما امتناع عن عمل يقضي به القانون، ولا يعتبر الفعل أو ترك جريمة في نظر القوانين الوضعية إلا إذا كان معاقباً عليه طبقاً للتشريع الجنائي
- علة التجريم والعقاب:
والأفعال المعتبرة جرائم يؤمر بها أو ينهى عنها، لأن في إتيانها أو في تركها ضرراً بنظام الجماعة أو عقائدها، أو بحياة أفرادها، أو بأموالهم، أو بأعراضهم، أو بمشاعرهم، أو بغير ذلك من شتى الإعتبارات التي تستوجب حال الجماعة صيانتها وعدم التفريط فيها.
وقد شرع العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها، لأنَّ النهي عن الفعل أو الأمر بإتيانه لا يكفي وحده لحمل الناس على إتيان الفعل أو الإنتهاء عنه،
ولولا العقاب لكانت الأوامر والنواهي أموراً ضائعة وضرباً من العبث،
فالعقاب هو الذي يجعل للأمن والنهي مفهوماً ونتيجة مرجوة،
وهو الذي يزجر الناس عن الجرائم، ويمنع الفساد في الأرض، ويحمل الناس على الإبتعاد عما يضرهم، أو فعل ما فيه خيرهم وصلاحهم.
الشريعة والقانون:
تتفق الشريعة الإسلامية مع القوانين الوضعية في أنَّ الغرض من تقرير الجرائم والعقاب عليها هو حفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها، وضمان بقائها.
ولكن الشريعة –بالرغم من هذا الإتفاق الظاهر- تختلف عن القوانين الوضعية من وجهتين:
الوجه الأول من الخلاف بين الشريعة والقانون:
تعتبر الشريعة الأخلاق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع، ولهذا فهي تحرص على حماية الأخلاق وتتشدد في هذه الحماية بحيث تكاد تعاقب على كل الأفعال التي تمس الأخلاق.
أما القوانين الوضعية، فتكاد تهمل المسائل الأخلاقية إهمالاً تاماً، ولا تُعْنَى بها إلا إذا أصاب ضررها المباشر الأفراد أو الأمن أو النظام العام،
فلا تعاقب القوانين الوضعية مثلاً على الزنا
إلا إذا أكره أحد الطرفين الآخر، أو كان الزنا بغير رضاه رضاء تاماً،
لأن الزنا في هاتين الحالتين يمس ضرره المباشر الأفراد كما يمس الأمن العام.
أما الشريعة فتعاقب على الزنا في كل الأحوال والصور،
لأنها تعتبر الزنا جريمة تميت الأخلاق، وإذا فسدت الأخلاق فقد فسدت الجماعة وأصابها الإنحلال.
وأكثر القوانين الوضعية لا تعاقب على شرب الخمر، ولا تعاقب على السكر لذاته،
وإنما تعاقب السكران إذا وجد في الطريق العام في حالة سكر بيِّن،
فالعقاب على وجوده في حالة سكر بيِّن في الطريق العام، لأن وجوده في هذه الحال يعرض الناس لأذاه واعتدائه،
وليس العقاب على السكر لذاته بإعتباره رذيلة، ولا على شرب الخمر بإعتبار أن شربها مضر بالصحة، متلف للمال، مفسد للأخلاق.
أما الشريعة فتعاقب على مجرد شرب الخمر ولو لم يسكر منها الشارب؛
لأنها تنظر إلى الجريمة من الوجهة الخلفية التي تتسع- كما نعلم- لشتى المناحي والإعتبارات، فإذا صينت الأخلاق فقد صينت الصحة والأعراض والأموال والدماء وحفظ الأمن والنظام.
.
الوجه الثاني من الخلاف بين الشريعة والقانون
إن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله، لأنها تقوم على الدين، والدين من عند الله، أما مصدر القوانين الوضعية فهم البشر الذين يقومون بوضع هذه القوانين.
المصدر : منتديات مجالس الوفاء