سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 50758410

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 73725310







 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 55958210
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 50758410

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 73725310







 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 55958210
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورقنوانين المنتديالتسجيلمدونة مجالس الوفاءدخول
ابرئ نفسي انا صاحب الموقع ، امام الله وامام جميع الزوار والأعضاء ، على مايحصل من تعارف بين الأعضاء او زوار على مايخالف ديننا الحنيف ، والله ولي التوفيق

 

  سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:38 pm

1 - ذعر في البورصة





عاش العالم التجاري حالة من الذعر.

وابتداءً من شهر أيار دخلت البورصة مرحلة أقسى الاضطرابات. فقد سجل خلال شهر أكثر من ألفي منافسة. وارتفع عدد المنافسات إلى خمسة آلاف في شهر حزيران. وفي الوقت الذي هلكت فيه المؤسسات الصغيرة, حاولت الجرائد المالية أن تخفف الانطباع بالكارثة الداهمة. وعملت على تهدئة الرأي العام بقولها إن الأزمة ستنظف حياة البلاد الاقتصادية من "المؤسسات غير المتينة والفائضة التي نمت على أرضية المضاربة بالعملة" فقط. لكن في شهر حزيران أصبحت عدة مؤسسات من أقدم وأكبر المؤسسات ضحية للأزمة. وانعكست هذه الضربة انعكاساً خطيراً على الصناعة وعلى جمهور حملة الأسهم الصغار. عندئذ لم تعد الجرائد تخفي الخطر. اقتربت كارثة حقيقية لا بل مرعبة, لأن ظهور الأزمة ذاته لم يخضع للتعليل المعتاد "لحالة السوق الاقتصادية", كما لو أن مرضاً جديداً مجهولاً لوباء مخيف قد تدحرج عبر المؤسسات المالية, حاصداً المزيد من الضحايا الجدد. وفي بداية شهر تموز كان قد بقي في كل البلد أضخم ثلاثة مصارف فقط, وهي التي صمدت: ميونستربرغ , وشوماخر, وإلزا غليوك. تعرض الاثنان الأولان لخسارة نحو ثلاثين بالمائة من رأسماليهما. أما مصرف إلزا غليوك فلم يكتف بعدم التعرض للخسارة, وإنما ضاعف رأسماله نحو ثلاث مرات. وكان ينبغي أن يجري الصراع الأخير على البقاء بـين هذه الجبابرة المالية الثلاثة. امتلك مصرف إلزا غليوك رأسمالاً يزيد على رأسمالي ميونستربرغ وشوماخر إذا أُخذا على نحو منفصل, لكن إذا توحد هذان المصرفان ضد مصرف إلزا غليوك, فإن الأرجحية يمكن أن تميل لصالح الاثنين ضد الواحد.

الحقيقة أنه كان يمكن أن توجد تركيبة أخرى: الدخول في اتفاق مع مصرف إلزا غليوك, أو حتى ضم الرساميل مع تأمين حقوق معروفة لأصحابها. وقد حاول ميونستربرغ والداهية شوماخر كل بمفرده, وهما يخفيان الأمر أحدهما عن الآخر, فأرسلا أزلامهما المخلصين إلى شتيرنر "ليجسا نبضه". لكن هذا "العبقري الشرير", كما كانوا يسمونه في أوساط البورصة, لم يسر باتجاه أي اتفاق. لقد سخر سخرية مهينة, وكان عديم الرحمة ولا يلين تجاه منافسيه. فالسعادة غير الاعتيادية في لعبة البورصة, والتنبؤات التي لا تخطئ بأسعارها, والتأثير غير المفهوم إطلاقاً على المحيطين بشتيرنر جعلوه مخيفاً.

تحادث الصيارفة وسماسرة البورصة بعضهم إلى بعض بصوت منخفض, كما لو أنهم خافوا أن يتنصت إليهم عدو خفي. تحدثوا عن الحالات الكثيرة العدد لوفيات غريبة للصيارفة الذين التجؤوا شخصياً إلى شتيرنر. لم يخبروا أحداً ما الذي قاله لهم شتيرنر. ولكن كما لو أن هؤلاء الصيارفة قد فقدوا عقلهم وكل خبرتهم بعد أن ذهبوا إليه, فعقدوا صفقات خرقاء أدت إلى تسريع إفلاسهم فقط, في حين صبت رساميلهم في مستودعات الأقبـية بمصرف إلزا غليوك. عديدون من هؤلاء الأشخاص المفلسين أنهوا حياتهم انتحاراً. ولذلك قرر ميونستربرغ وشوماخر العمل من خلال سلسلة كاملة من الوسطاء, خوفاً من اللقاء الشخصي.

عندما لم تؤد المباحثات مع شتيرنر إلى شيء, أصبح واضحاً لشوماخر وميونستربرغ أن الاندماج فقط بين مصرفيهما المتعاديين أحدهما مع الآخر منذ أكثر من نصف قرن, سيوفر إمكان متابعة الصراع المرير مع "العبقري الشرير", إن لم يوفر النصر.

بدت لهما إدارة هذا الصراع أكثر سهولة, لأنهما امتلكا أكثرية أسهم أكبر المؤسسات التجارية والصناعية في البلاد: مناجم الفحم الحجري, إنتاج طلاء الأنيلين, مصانع السيارات والراديوهات, الإنارة الكهربائية, السكك الحديدية في المدن, مصانع بناء السفن ... أسهم هذه المنشآت وجدت في أيدي ملايين حملة الأسهم الصغار من المزارعين غير الأثرياء, وموظفي المكاتب, وطباخي السفن, وحتى لدى الأطفال الذين يشغلون المصاعد. جميعهم ربطوا مصائر ادخاراتهم الصغيرة بمصير مصرفي ميونستربرغ وشوماخر. لقد وقف خلف الصيرفيين "رأي عام" واسع.

زاوير مساعد شتيرنر الأكثر إخلاصاً واجتهاداً, دخل إلى غرفة المكتب لتقديم تقريره الدوري صباح الخامس عشر من تموز.

شد زاوير بقوة على يد شتيرنر الممدودة.

- مرحباً يا زاوير! كيف هي صحة خادرتك؟

- أشكرك. اتضح أن خوفي لا مبرر له. لقد أتى الطبـيب بالأمس.

- وما الذي وجده لدى السيدة زاوير؟

أجاب زاوير بوجه سعيد ومحتار إلى حد ما:

- إنها تتهيأ كي تصبح أماً.

- هكذا إذا؟ أهنئك! انقل إليها تحيتي. وما الذي يحصل في البورصة؟ هل هناك أخبار؟

- يوجد, وهو خبر ضخم. سيشكل ميونستربرغ وشوماخر جبهة موحدة ضدنا. لقد قدما عريضة لإنشاء شركة مساهمة, وكما يقولون في أوساط البورصة فإن الحكومة سوف تساعدهما.

- لقد عرفت ذلك.

ارتسم التعجب على وجه زاوير, فابتسم شتيرنر ابتسامة خبـيثة وأجاب:

- ما الذي بقي لديهما ليفعلاه؟ فالوحوش تتجمع دائماً للدفاع بمواجهة عدو أضخم. أما الحكومة؟ فإنها ذاتها تريد أن تملك طبقة بـين المصرف الحكومي وبـيني. ولهذا إذا تصدع ميونستربرغ السمين وشوماخر النحيف فسيبقى في الدولة عندئذ قوتان ماليتان فقط. قوتان فقط يا زاوير: أنا, أي مصرف زوجتي والمصرف الحكومي. ومن غير المعروف حتى الآن من سينتصر على من.

حتى زاوير كان مندهشاً, وهو الذي اعتاد على نجاحات صديقه الباهرة.

- ألست تحلق عالياً جداً يا شتيرنر؟

- نحن نعيش في عالم من التوازن غير المستقر يا صديقي. وأمامنا طريقان فقط: إما نحو الأعلى, أو نحو الأسفل. عند التوقف فإن العجلة المتدحرجة ينبغي أن تميل وتقع. كيف هي استجابة البورصة لاندماج المصرفين المرتقب.

أجاب زاوير:

- ارتفعت سندات ميونستربرغ وشوماخر مقدار خمسين نقطة خلال يوم واحد.

- زج سماسرتنا ليشتروا بالجملة هذه السندات.

- هل تلعب لصالح ميونستربرغ وشوماخر.

- أنا ألعب لصالح غليوك. هل يعقل أنك لم تفهم لعبتي بعد؟ افتل يا زاوير افتل. فكلما زاد ارتفاعهم كان أحسن. لقد سئمت من اصطياد الطرائد الصغيرة, وأريد إنهاء كل هذه الجلبة في البورصة بضربة واحدة.

بعد أن وقع شتيرنر الأوراق خلى سبـيل زاوير, لكنه عاد وناداه بعد أن تذكر شيئاً ما.

- اسمع يا زاوير, استعلم عن عنوانَيْ منزلـَيْ وزير التجارة والصناعة ووزير المالية.

- يمكنك إيجاد عنوانيهما هنا في هذا الدليل.

- أخ, نعم ... أشكرك. كيف تظن يا زاوير, ألا يمكننا دعوتهما لزيارتي تحت أي حجة كانت؟

- لا أعتقد.

- ألن يُنعِما بهذا الشرف على لودفيغ شتيرنر؟ سنرى ما الذي سيجري بعد شهرين. أما الآن فسنقنع من دون هذه الزيارة. أعطني من فضلك مخطط المدينة.

أعطاه زاوير المخطط.

- أشكرك يا زاوير. أنت حر.

بسط شتيرنر المخطط الكبـير على الطاولة, ووضع بوصلة, وأدار المخطط بحيث يتطابق اتجاه الشمال المرسوم عليه تطابقاً دقيقاً مع إبرة البوصلة, ثم علَّم تعليماً محكماً بنقاط على المخطط الأماكن التي عاش فيها الوزيران ومصرف إلزا غليوك, ووصل هذه النقاط بخطوط, وسجل الزوايا في المفكرة.

- وهكذا ... أيها السادة الوزراء, إذا لم يأت الجبل إلى محمد...

ودخل إلى غرفته الملاصقة لغرفة المكتب دون أن يُتِم حديثه, وأغلق على نفسه بالمفتاح.

بعد عشر دقائق دخلت إلزا إلى غرفة المكتب, وجلست على المقعد الغائر بالقرب من طاولة المكتب. طقطق القفل ثم خرج شتيرنر من غرفته, فنهضت إلزا بسرعة وذهبت لملاقاته وهي تمد يديها, فقبل شتيرنر كلتا اليدين.

- هل أردت رؤيتي يا لودفيغ؟

تأبط شتيرنر ذراعها وقادها.

- نعم يا صديقتي. لقد أنهيت عملي الصباحي, وأريد تناول الإفطار معك في الحديقة الشتوية.

سُرَّت إلزا.

- قلما تقابلني أنت يا لودفيغ ...

- وما العمل يا عزيزتي. تجري عندنا حروب ... هل تعلمين أن ثروتك قد تضاعفت ثلاث مرات. وأنه بعد عدة أيام ستصبح رساميل جميع المصارف الخاصة في البلاد بـين يديك؟

ثم جلسا خلف طاولة كبـيرة مفروشة من أجل الإفطار, فملأ شتيرنر الأقداح خمراً.

- ستصبحين ملكة البورصة.

وشرب جرعة.

- نعم, لن تكون هناك أي بورصة. فالبورصة جميعها ستكون هنا. بأي سعادة كان كثيرون من أمراء الدم سيعرضون عليك أيديهم وقلوبهم, لو لم تكوني زوجتي! عليك أن تعترفي أن شتيرنر ليس ذلك الثرثار الفارغ, حتى لو كنت مذنباً قليلاً في وجود ثروتك هذه كلها وفي جبروتك.

عارضته إلزا بحرقة:

- أنا لم أقل هذا قط.

- نعم؟ هذا أفضل.

وقرعا كأسيهما.

- لودفيغ, كنت سأكون أكثر سعادة لو أنك لم تضاعف ثروتي ثلاث مرات, وإنما الزمن الذي تخصصه لي. لو أنك تعلم كم أعاني في وحدتي ... أنا أعيش فقط في انتظار الحين الذي سأراك فيه.

- قليلاً من الصبر أيضاً يا عزيزتي! سألوي أذرع خصومنا الأخيرين. سألقي بهم عند قدميك مثل غنيمة حربـية, وعندئذ …

دخل زاوير وانحنى باحترام لإلزا, فأجابته بإيماءة لطيفة من رأسها.

- اعذراني من فضلكما لأنني أقلقكما. ينتظرك سيد ما في غرفة الضيوف يا شتيرنر, ويقول إنه جاء بعمل لا يؤجل. وأنا أشك شكاً قوياً بأنه عميل لشوماخر. وهو يرغب أن يتباحث معك شخصياً.

خرج شتيرنر فسألت إلزا:

- إيه, كيف حال إيما؟

- أشكرك ... كل شيء جيد ...

- وما الذي قلته لك؟ لقد كنت محقة! سيكون لدى إيما طفل!.. تأمل فقط. هي ذاتها عليها أن تلعب بالدُمى. سأذهب إليها اليوم من كل بد ...

- ستكون سعيدة جداً برؤيتك.

عاد شتيرنر.

- أنت لم تخطئ يا زاوير. فالثعلب العجوز شوماخر جاهز لخيانة حليفه في الدقيقة الأخيرة, في حال ضممته إلي بصفة شريك ... وهو يُخَوِّفني ويعدني بمختلف الفوائد, وبكلمة فإنه يدفع بكل ترسانة حكمته الاستغلالية.

- وبماذا أجبته؟

- لقد قلت: بلغ السيد شوماخر أنه لا يلزمني شركاء ولا مربـيات. اجلس لتناول الإفطار معنا يا زاوير.

ثرثروا بمرح مثل ناس تربطهم صداقة خالصة واحترام متبادل, إذ لم يبق أثر من العواصف السابقة.


المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:40 pm






2 - الأقوى ينتصر





في ذلك اليوم, عندما كان على الحكومة المصادقة على الشركة المساهمة الجديدة التي توحد مصرفي ميونستربرغ وشوماخر, استدعى شتيرنر زاوير إليه في الصباح الباكر وأمره:

- بع جميع أسهم ميونستربرغ وشوماخر. اطرحها جميعها حتى السند الأخير.

- لكنها ارتفعت خلال ليلة واحدة بمقدار ست وعشرين نقطة. وقد حصلنا على معلومات مؤكدة أن المصادقة على الشركة المساهمة مضمونة, ويتهيأ لي ...

- لا تقلق على شيء, ونفذ أمري بدقة. اذهب بنفسك إلى البورصة الآن حالاً, وأخبرني هاتفياً عن كل شيء.

هز زاوير كتفيه ورحل.

رن الهاتف بعد ساعة.

- إنهم يتسابقون لشراء الأسهم. إنها ترتفع إلى الأعلى.

- ممتاز يا زاوير. في أي ساعة سيعقد اجتماع الحكومة؟

- في الساعة الثانية ظهراً.

- هل ستلحق وتبـيع كل الأسهم خلال هذا الوقت؟

- تكفيني ساعة لذلك.

- هذا أفضل. اهتف لي بعد ساعة.

لم تمض من الساعة نصفها حتى أخبره زاوير:

- لقد بيعت الأسهم عن آخرها. يحدث في البورصة شيء غير معقول. فالجمهور يملأ كل الساحة قبالة البورصة. وتوقفت حركة السير في الشارع. الترومايات تسير بصعوبة بالغة, أما السيارات فلا تستطيع ...

- هذا لا يهمني. ما أحوال أسهمنا؟

- واأسفاه إنها تنهار.

- رائع. انتظر إلى أن تنخفض أكثر وعندئذ اشتريها بالجملة ...

سألته إلزا وقد دخلت إلى الغرفة:

- لودفيغ, هل أنت مشغول جداً؟

تابع شتيرنر كلامه عبر الهاتف:

- احتكر جميع ما سوف يعرضونه. اهتف لي على نحو متكرر.

ثم التفت نحو إلزا وقال:

- نعم, أنا مشغول جداً يا عزيزتي. تناولي الإفطار وحدك. فاليوم لن أبتعد عن الهاتف طوال النهار, ومن المحتمل طوال الليل.

صنعت إلزا إشارة تبرم, فوضع شتيرنر سماعة الهاتف واقترب منها.

- ما العمل يا حبـيبتي, اصبري. فأنا أخوض اليوم صراعاً عاماً. وينبغي أن أكسبه. وغداً سوف تكونين ملكة غير متوجة. وستجدين بـين يديك ثروات ...

قالت إلزا بعتاب:

- لودفيغ!

- حسناً, لن أتكلم عن هذا. ما أحوال إيما؟ هل كنت عندها؟

- من كان يتوقع ذلك؟ قال الطبـيب إن كليتيها ليستا في وضع حسن. والحمل خطر عليها ...

استمع شتيرنر وهو شارد:

- نعم, نعم.

- لكنها تقول إنها ستموت ولن تتخلى عن الطفل.

- نعم, رائع.

قرقع الهاتف مجدداً, فارتعش شتيرنر وقبل إلزا على جبـينها بسرعة وقال لها:

- كوني عاقلة ولا تسأمي. عندما ينتهي كل هذا فسنذهب أنا وأنت إلى الريفيـيرا. آلو! أنا أصغي.

تنهدت إلزا وخرجت.

- في الساعة الثانية عشرة؟ أي بعد ساعة؟ هذا أفضل! أخبرني فوراً بقرار الحكومة حالما تعرفه ...

تمشى شتيرنر القلِق في غرفة المكتب بعد أن وضع سماعة الهاتف.

- ستحل الحكومة هذه المسألة في الساعة الثانية عشرة عوضاً عن الثانية. هذا يعني أنه يؤثر! أنا أؤمن الآن بالنجاح إيماناً أكبر مما سبق. وإذا حدث النصر هنا فسيحدث النصر في كل شيء! وسيكون شتيرنر كلي القدرة!

ثم أرخى رأسه إلى الوراء مغمضاً عينيه نصف إغماضة, وتسمَّر مدة دقيقة والابتسامة مرسومة على وجهه.

- ومع ذلك فالوقت ليس وقت الانتشاء بالسلطة. يجب استجماع كل القوى من أجل الضربة الأخيرة.

دخل شتيرنر إلى غرفته وأغلق على نفسه بالمفتاح, ثم خرج تعباً وممتقعاً بعد ساعة, فأصلح خصلة شعر متهدلة على جبـهته, وارتمى على المقعد وأغمض عينيه نصف إغماضة.

رن الجرس فوثب شتيرنر كما لو أنه جالس على نابض, وانتزع سماعة الهاتف.

- آلو! نعم, نعم, أنا ... أهذا أنت يا زاوير؟

لكن المتكلم لم يكن زاوير, وإنما شبـيلمان أحد عملاء شتيرنر.

- مفاجأة صاعقة! لقد انتهى الاجتماع لتوه, ورفضت الحكومة المصادقة على ميثاق الشركة المساهمة. وقد صرخ شوماخر الذي كان في الاجتماع بوجه الوزير قائلاً: "خائن", وتلقى ميونستربرغ ضربة فنقل إلى منزله فاقداً للوعي.

لم يكمل شتيرنر الإصغاء, فأنزل سماعة الهاتف بـيد تهتز من الاضطراب. وأطلق تلك الصيحة القوية التي ملأت أنحاء غرفة المكتب "النصر!", بحيث استفاق فالك المتمدد قرب المقعد, ونظر إلى صاحبه بعد أن هب واقفاً نظرة ذهول.

- إنه النصر يا فالك!

ثم رمى شتيرنر المنديل إلى زاوية الغرفة وأمره:

- هاته!

وصل الكلب إلى حيث المنديل بعدة قفزات, فأمسكه وعاد به إلى صاحبه.

- هاك ما هم عليه الآن جميعهم! ها - ها - ها!

ضحك شتيرنر بعصبـية, ثم رفع الكلب من قائمتيه الأماميتين وقبل جبـينه.

- لكني لن أقبلهم يا فالك, لأنهم أغبى منك ولأنهم يكرهونني. لذلك فإن إرغامهم على حمل الزحار هو أكثر لذة.

رن الهاتف مجدداً.

- زاوير؟ نعم, لقد عرفت. قال لي شبـيلمان, كيف هي استجابة البورصة؟

- انفجار قنبلة كان سيولد أثراً أقل. لقد تحولت البورصة إلى مشفى للمجانين.

- وأسهم ميونستربرغ؟

- تنهار بسرعة خارقة. أنت عبقري يا شتيرنر!

- ليس الآن وقت المديح. عندما يصبح تداول أسهم المصارف المنهارة بسعر ورق التغليف, فإنه سيكون ممكناً شراؤها بالجملة ... وسيمكننا أن نعيد إليها قيمتها. لكننا لن نتعجل هذا. لقد قمنا بعملنا, ويمكنك أن تذهب يا زاوير!

- لا أستطيع الخروج. لقد تحول الناس إلى قطيع فقد عقله. حتى ممرضو الإسعاف السريع لا يستطيعون التسلل إلى هنا, كي ينقلوا من أغمي عليه ومن داسه الجمهور.

- حسناً, إذا كنت قد فقدت حريتك فأخبرني ما الذي يحصل لديك.

وأخبره زاوير أن سماسرة الأوراق المالية قد أجروا اجتماعاً لمدة عشر دقائق, قرروا فيه أنه لا يمكنهم إطلاقاً الاحتفاظ بسندات ميونستربرغ وشوماخر وجميع المصارف المرتبطة بهما. لقد حدث الانهيار. وقد حملت كل دقيقة الخراب لثروات كاملة, فانتقلت السندات كل دقيقة من أيد إلى أيد. ووصل التوتر العصبي أعلى نقطة بعد منتصف الليل. ملأت سيارات حملة السندات الكبار ليس الساحة المقابلة للبورصة فقط, وإنما الساحة المجاورة لها. وقد جلس هؤلاء في سياراتهم الليموزين طوال الليل ممتقعين وتعبـين وعيونهم شاردة. وحملت النشرات الواحدة تلو الأخرى أخباراً عن الانخفاض المستمر في أسعار الصرف. وأرسلت هذه الأسعار عبر الهاتف, لكنها لم تكن تطابق الواقع لحظة إرسال البرقية الهاتفية. حطم جمهور الناس معسكراً في المتنزَّه المجاور, مثلما يحدث وقت الجائحة الطبـيعية, ودفعوا مقابل الجلوس على مقعد المتنزَّه أكثر من أجرة غرفة في أفضل الفنادق.

وقبل الصباح أصيب اثنان من السماسرة وصيرفي بخبل عنيف, وصرخ السمسار:

- الموت لشتيرنر!

وأمكن بصعوبة نقل المخبولين إلى المستشفى.

هدأ القلق فقط مع انبثاق الفجر مثل شعلة حريق تم احتراقه. وخرج أغنياء الأمس من البورصة منكوبـين لمدة عشر سنوات. خرجوا محنيي الظهور وقد شابوا وارتعشت أقدامهم.

قل الجمهور, فحصل زاوير أخيراً على فرصة للخروج من مبنى البورصة وهو يتهادى من التعب, وتنفس الهواء النقي ملء صدره وفكر:

"مثل هذا الذعر يسود الآن في كل البلد ... لقد أفلس في هذه الليلة مئات آلاف الناس, وضيَّع ملايين المودعين الصغار مدخراتهم. لقد صرخ ذلك المجنون على شتيرنر, واتهمه بكل شيء. لكن شتيرنر ليس مذنباً. فالأقوى سينتصر. وشتيرنر ماهر, عبقري العقل!"

ابتسم زاوير وما لبث أن تثاءب بتعب.

أما شتيرنر فقد نهض من وراء الطاولة, وتمطَّى بتلذذ بعد أن حصل من زاوير على آخر الأخبار هاتفياً. هدأ قلقه. وخامره شعور بذلك التعب اللذيذ, الذي يتملك المرء عندما يعمل جيداً ويكون مسروراً من نتائج عمله. لقد انتصر. وانتصاره أكبر من النصر على الصيارفة والوزراء. لقد انتصر على مقاومة الإنسان! آلـ غوتليب, وإيما, وزاوير, وإلزا ... وهؤلاء الآن!

ثم قال بعجرفة:

- لا أحد في العالم بعد الآن يمكنه مقاومتي. وكل العالم سيصبح ملكي قريباً!



لم يرغب أن ينام, فصعد إلى الأعلى وقرع باب غرفة إلزا. كانت مرتدية ثيابها وغير نائمة, ففتحت الباب بسرعة ومدت يديها مهللة.

- وأخيراً تذكرتني يا لودفيغ!

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:41 pm







3 - الفيلا البـيضاء





أصبح مصرف إلزا غليوك سلطاناً غير محدود للعالم المالي, ودعي كما في السابق بكنية إلزا قبل زواجها. ومع ذلك, فإن إلزا ذاتها لم تشعر قط بزيادة جبروتها. وكما في السابق تسكعت وحيدة في غرفها الفارغة, وعاشت على فكرة اللقاءات القصيرة مع شتيرنر. لكنه كان لا يزال مشغولاً جداً ولا يستطيع أن يخصص لها وقتاً أكبر. كانت إلزا تشعر دائماً عندما كان يريد رؤيتها, إذ تسري في جسدها ارتعاشة عذبة, فكانت تهرع إلى الأسفل من دون نداء وهي تعرف أن شتيرنر غير مشغول وأنه لن يبعدها عنه. لكن كان يحدث أن تمتد الأيام ويمضي الأسبوع, فلا يظهر شتيرنر عندها إلا في الصباح فقط كي يحييها وهو شارد الذهن, ثم يختفي. في بعض الأحيان كان يغيب عن المدينة لعدة أيام. وعندئذ كان ينقض عليها خمول ما, حتى إنها كانت لا ترغب في رؤيته. فإذا قابلته فوراً بعد عودته, فإنها كانت تقابله ببرود. وكان شتيرنر يقطب جبـينه باستياء, ويسرع إلى غرفته التي حظر دخولها حتى عليها. وكانت تلاحظ كيف أن شعور الحب الحار عاد يملأ كيانها بعد عدة دقائق من وجود شتيرنر في غرفته, فتستقبله بنظرات ملأى بالحنان.

استمر شتيرنر بالتقطيب كما لو أن فكرة أثقلته, لكن شعور إلزا المخلص سرعان ما تملكه. كان لطيفاً ومبدياً للاهتمام, فاقتنصت إلزا هذه الدقائق النادرة بشره...

تأجل سفرهما, فقد وضع شتيرنر أمام نفسه مهمة جديدة وهي الاستيلاء على صناعة البلد كلها ووضع يده عليها, بالاستفادة من أن أكثرية المؤسسات كانت مدينة لمصرف إلزا غليوك.

قاوم أصحاب المعامل والمصانع بعناد, لكن شتيرنر وضع يديه على معاملهم ومصانعهم بطريقة منهجية.

استدعى إليه زاوير وإلزا فقط عندما حسم الصراع لمصلحته, وقال:

- أستطيع أخيراً أن أرتاح وأن أقوم مع بعض التأخير برحلة زواجنا. أنت قادر على القيام بالعمل يا زاوير. الصراع انتهى من حيث الجوهر, وبقي أن نُشَرعِنَ حقوقنا فقط: أن نضع سندات "آخر الموغيكان" ([3])) موضع التحصيل, وأن نعلن المزاد على معاملهم ومصانعهم, وأن نثبت المؤسسات في قبضتنا, لأنه من الذي سيشتريها غيرنا؟ سنطير غداً صباحاً. كيف هي صحة زوجتك؟

هز زاوير رأسه بأسف.

- لا يمكنك التعرف عليها يا شتيرنر. لقد تغيرت كثيراً باتجاه الأسوأ.

أجاب شتيرنر مبتسماً:

- بالتأكيد, فهذا من طبـيعة الأشياء.

أجاب زاوير وقد تكدر قليلاً:

- كلا, لا أقصد هذا. لقد تنفخ وجهها وقدماها كثيراً: إنهما كليتاها. لم تطع الأطباء والولادة الآن محتومة.

ثم قال بجزع صادق:

- أنا قلق جداً على دُميتي ...

- عليك الآن أن تهتم بدُميتين دفعة واحدة. لا تخف يا زاوير, سيخدمك أفضل البروفيسورات. لا تنس أن تبرق لي حول كل شيء. انقل تحيتي إلى زوجتك.

لم ينم شتيرنر في الليلة التي سبقت السفر. انشغل بشيء ما في غرفته.

أغفت إلزا في غرفتها, ولكنها شعرت من خلال الحلم كما لو أن تيارات ما كهربائية أو عصبـية تمر عبرها, وأن حباً متزايداً نحو لودفيغ يملأ كيانها, فمدت يديها عدة مرات وهي نصف نائمة وهمست بحنان:

- لودفيغ! حبـيبي لودفيغ!

ومع أول أشعة للشمس طارت معه على طائرتهما الخاصة. طارا إلى مينتون, إلى إحدى الفيلات التابعة لها, التي اشتراها كارل غوتليب قبـيل وفاته بقليل.

بدت لها هذه السفرة بصحبة لودفيغ رائعة على نحو أسطوري, بعد طول حياة في عزلة ونصف وحيدة.

لقد أرادت في الوقت ذاته أن تنظر إلى لودفيغ, وأن تتمتع بالمنظر الشامل الذي ينبسط في الأسفل, وغنَّت بمرح:

أنا طائر حر وأريد أن أطير!

وذلك بعد أن تطلعت إلى الرحابة الواسعة أمامها, ثم استدارت نحو شتيرنر وهي تضحك.

- "أريد أن أطير" أغنية سخيفة, يجب أن أغني "أنا طائر حر وأنا أطير معك". انظر كم هو مضحك: نحن نرى من هنا الأسقف القرميدية فقط. وتبدو البـيوت مربعات جميلة فوق بساط أخضر. وما هي تلك النملات؟ إنها قطيع! يا للضآلة! ما هي تلك الجبال الثلجية التي تلمع بعيداً؟

- جبال الألب.

- وصلنا جبال الألب! وسنطير أعلى من النسور.

لم تشعر سابقاً بسعادة كهذه.

حطت الطائرة بسلام في مطار صغير قرب نيس. وبعد ساعة كانا في فيلتهما.

تقع الفيلا غير بعيد عن فينيتميليه بالقرب من الحدود الفاصلة بـين ممتلكات فرنسا وممتلكات إيطاليا.

فيلا بيضاء رائعة تقبع قرب شاطئ البحر تقريباً, ذات كسوة رخامية, وقد نعمت أنحاؤها بالخضرة, واكتست أشجار البرتقال بثمار ضخمة. نمت أشجار النخيل في الساحة المقابلة للفيلا, كما تغطت الساحة ببساط ناصع من القرنفل الأحمر.

الإزعاج الوحيد في الفيلا كان قربها الشديد من شبكة السكك الحديدية. كانت القطارات تسير دون انقطاع ملعلعة فوق الرأس, لكن إلزا لم تلحظ حتى هذا الإزعاج, فقد نامت جيداً في المساء ولم توقظها الضجة. وفي النهار قاما بنزهات إلى الجبال, أو أبحرا في يختهما, أو طارا على متن طائرة مائية على امتداد الشاطئ حتى نيس وبالعكس. قصر إمارة موناكو الصغيرة الملتصقة بالصخور الصفراء مثل عش السنونو بدا مثل لعبة, وامتد الموج قرب الساحل على شكل خيط أبيض. كان المتنزهون يبدون على الشاطئ بقياس يقل عن الدبوس. كان المشهد أكثر إدهاشاً عندما أقفل الطيار عائداً ووجه المقدمة الرمادية للطائرة المائية نحو عرض البحر. ارتفعت أطراف الأفق عالياً بفضل خداع البصر, الذي حول البحر إلى كأس زرقاء انعكست فوقه كأس السماء السماوية, وبدا كما لو أن الطائرة المائية موجودة في مركز كرة. عامت في الأسفل مراكب شراعية تبدو كالألعاب.

وأرادت إلزا أن تضحك من سرورها وسعادتها. ثم عادت إلى الفيلا نشيطة ومنشرحة على نحو لم يسبق لـه مثيل.

بدت الفيلا مريحة و "صالحة للسكن" إلى حد غير معتاد عند مقارنتها بمبنى غوتليب المنظم والبارد والشبـيه بصندوق زجاجي نصف فارغ. لم يتح لغوتليب إدخال غرائبه إلى هنا أيضاً. كان جميع الأثاث قديم الطراز إلى حد ما, ولكنه جميل ومريح. وأعجبت إلزا إعجاباً شديداً بالبيانو القديم ولكن الجيد, فعزفت عليه في الأمسيات الدافئة. كان باب الشرفة مفتوحاً, وارتفع القمر فوق السطح الأملس للماء ملقياً شريطاً فضياً على البحر, أما القبَّات ([4])) المنتعشة ببرودة المساء فقد تنفست بارتخاء عذب.

كانت المقطوعات التي عزفتها جميلة للغاية ومُطرِبة وبهيجة وهادئة مثل هذه الليالي الجنوبـية.

بدا أن شتيرنر ارتاح أيضاً, حتى أن ملامح وجهه أصبحت ألين, ولم تعد الابتسامة الساخرة تحني شفتيه. أحياناً فقط كان شتيرنر يصبح حزيناً ومشغول البال عندما كان يصوب نظره على إلزا.

مر أسبوعان خلسة, لكن في بداية الأسبوع الثاني شعرت إلزا بتغير ما في داخلها, كما لو أنها أخذت تتيقظ من حلم. كانت تنسحب إلى غرفتها وتجلس وحيدة فترة طويلة, وأخذت الأفكار الطفيلية تقلقها من جديد, والذي أثار دهشتها هو أن معزة لودفيغ لديها كما لو أنها أصبحت أقل. تمعنت في وجهه, فأصبح كما لو أنه يزداد طولاً وسماجة.

لاحظ شتيرنر هذا فازداد تقطيـبه, ولم تبهجه برقيات زاوير أيضاً. لقد أخبره عن سلسلة من الإخفاقات, فخلال فترة غياب شتيرنر بُعِثت عدة مصارف, واستطاع بعض الصناعيين الكبار وأصحاب المناجم الحصول على قرض أجنبي, فدفعوا الحوالات وخرجوا على هذا النحو من تحت استعباد شتيرنر المالي. لكن الأكثر أهمية أنه بعد سفر شتيرنر قامت ضده حملة إعلامية كبـيرة في الجرائد. وعُدَّ أن تجميع كل الثروات المالية والصناعية في أيدي مصرف واحد هو مصرف إلزا غليوك يشكل خطراً على الدولة وعلى مصالح السكان. وقد تجنَّدت الجرائد الحكومية ضد شتيرنر مثلها مثل الجرائد الخاصة.

أعطى نجاح شتيرنر غير الاعتيادي والذي لا مثيل لـه مادة لأكثر الافتراضات والتفسيرات اختلافاً. زد على ذلك, أن أكثرية الصحف مالت إلى أنه مهما كان السبب الذي أدى إلى هذا النجاح, فإنه يخرج عن الأطر المألوفة. ولذلك ينبغي مصارعة هذا الجبروت بإجراءات غير مألوفة أيضاً ولم ينص عليها القانون. كان من المحتمل أن تصدر الحكومة مرسوماً تشريعياً خاصاً موجهاً ضد شتيرنر. واضطر الوزراء الذين لم يقرُّوا نظام شركة ميونستربرغ وشوماخر المساهمة لتقديم استقالتهم تحت ضغط الرأي العام, على الرغم من أن التحقيق غير المعلن الذي أجري بحقهم لم يستطع إثبات وجود بواعث مغرضة في سلوكهم, وبكلام آخر, رشوتهم من قبل شتيرنر. لم يحتمل ميونستربرغ الصدمة فمات. وحاول شوماخر الانتحار, لكنه بقي حياً فرحل إلى أمريكا.

تلك كانت أخبار الأسبوع الأخير. وعرف العالم كله من يكون شتيرنر. كان اسمه على شفاه الجميع, فاعتصم في جناحه مع زوجته هنا في مينتون, إذ أثار كل خروج لهما ذلك الفضول المقترن بالخوف, بحيث أن شتيرنر ذاته كان يتحاشى الظهور في المجتمع.

لم يشعر بالوحدة الانفرادية طوال الوقت الذي كانت فيه إلزا حنونة معه, لكن برودتها تجاهه تزايدت خلال الأيام الأخيرة, فأصبح هو أكثر كآبة.

ثم طفق يعمل فجأة. فطلب صفائح حديدية وشبكة سلكية وعوازل وكومة من المواد الكهروتكنيكية, وأمر بجلبها جميعها إلى غرفة منفصلة, وأغلق على نفسه هناك يوماً كاملاً.

في الصباح التالي عادت إلزا إلى حنانها من جديد, وامتلأت حباً نحوه, لكن بدا أن هذا أيضاً لم يسره. اقترح عليها أن يتنزها في الجبال كي يتسلى, فهما لم يخرجا من المنزل منذ مدة طويلة. وافقت إلزا في هذه المرة عن طيب خاطر.

سارا بعيداً, وتوقفا للراحة في بـيت صغير أبـيض نظيف.

جلبت لهما العجوز المضيافة والكثيرة الكلام والفضولية حليباً, ثم قالت بعد أن استعلمت من أين هما:

- هاكما من أين أنتما! يقولون إنه ظهر هناك الآن شخص ما اسمه شتيرنر. لم يتركوا شيئاً لم يقولوه عنه عندنا! إنه مع زوجته الآن أغنى الناس في العالم, لكن مصدر هذه الثروة غامض! كم من البشر مات بسببه؟ كم منهم أفلس؟ وكم سال من الدم والدموع ...

قرع الباب ودخل إلى الغرفة فوراً دون انتظار الجواب خادم قدم من الفيلا وهو يلهث.

- المعذرة يا سيد شتيرنر, لقد أمرت بإيصال كل البرقيات المستعجلة دونما إبطاء.

ثم أعطاه البرقية وهو يمسح العرق عن جبـينه.

- ها هي ذي, استلمناها لتونا.

أسقطت العجوز المنشفة من يديها بسبب الاضطراب, وارتجفت وهي تنظر إلى شتيرنر بخوف.

فض شتيرنر البرقية وقرأها, ثم نهض فجأة وعبس وقال للخادم:

- يمكنك أن تذهب يا هان!

وبعد أن رمى قطعة ذهبية نحو العجوز المصعوقة, مدَّ يده إلى إلزا قائلاً:

- لنذهب, علينا أن نتجهز للسفر دون إبطاء.

نظرت العجوز في إثرهما طويلاً, ثم تناولتْ القطعة الذهبية بأطراف أناملها حذرة, وصلـَّت بهمس, ثم رمت القطعة النقدية في البالوعة.

- نقود ملعونة!

سألت إلزا بقلق:

- ماذا حدث يا لودفيغ؟ هل يعقل أننا سنعود إلى هناك من جديد يا حبـيبي؟ بهذه السرعة!

وألقت نظرة حزينة على السماء والساحل والبحر, كما لو أنها تودعها.

- وجودي ضروري, لقد أبرق زاوير بأن أعدائي استغلوا غيابي, وبدؤوا الصراع من جديد.

أصبح وجه لودفيغ قاسياً فجأة, وحرر يده من تحت يد إلزا بخشونة بالغة جعلتها ترتدُّ خائفة. ثم صرخ بغضب وهو يهز قبضته.

- المبلغ إلى مكانه, لعنكم الله!

ما إن سمع فالك الكلمة المألوفة حتى استلقى بطاعة على الطريق ووضع خطمه على قائمتيه.

عند وصول شتيرنر إلى البـيت وجد أن الوضع أكثر جدية مما توقع, فقد توحد عشرات الصيارفة المفلسين, وشكلوا مصارف جديدة تنافست بنجاح مع مصرف إلزا غليوك, وتمكنوا ليس فقط من اجتذاب قسم من الزبائن المصرفيين, وإنما افتدوا عدة معامل ومصانع ضخمة كانت توجد تحت سيطرة شتيرنر المالية. إضافة إلى ذلك فقد أعدت الحكومة قانوناً عن "المؤسسات المصرفية" موجهاً بوضوح ضد شتيرنر.

نسي شتيرنر إلزا, وانهمك مجدداً في الصراع أياماً كاملة دون أن يخرج من غرفته, لكن في هذه المرة تمكن شتيرنر من التغلب على خصومه بسرعة, ووضع يديه على المصارف المنافسة مجدداً, ولم يعد هناك أي حديث عن إصدار قوانين تحد من حرية عمليات شتيرنر. وأكثر من ذلك, فقد صدرت مجموعة من القوانين الجديدة التي تُشَرِّع الأنظمة الجديدة التي أدخلها شتيرنر إلى الممارسة المصرفية.

وحلت من جديد فترة من الهدوء النسبي لديه, فتقابل مع إلزا على نحو متكرر, واستأنف أعماله العلمية. زار "حظيرة حيواناته", وبنى أجهزة ما معقدة.

لكن رغم كل ذلك شعر بالتعب. فقد عاش حياة عصبـية جداً, وأنفق الكثير من الطاقة العصبـية. وقد وجد الطبـيب الذي دعي لمعاينته أنه مصاب بالحَرَض([5]). هذا الوضع المرضي عمَّق لديه الشعور بالوحدة, وخصوصاً الآن عندما جرت الحياة بهدوء نسبي. حتى ملاطفات إلزا لم تهدئه, لا بل أثارته في بعض الأحيان.

وقال عبارة غير مفهومة لإلزا:

- ليس هو, ليس هو! هل أنت من يلاطفني, أم أنني ألاطف نفسي بـيدك؟

لكن موسيقاها كانت لا تزال تؤثر عليه تأثيراً مفيداً.

روح الوحدة الشريرة عذبته خصوصاً في الأمسيات مثلما تعذب شاؤول, فكان شتيرنر يهرع إلى "داوده", كما كان يسمي إلزا في تلك الدقائق. وكان يطلب منها:

- اعزفي, اعزفي يا إلزا! أريد موسيقا فهي تهدئني ...

كانت تنتصب أمامهما لوحات سعادتهما الصافية في الأسابـيع الأولى لسفرهما إلى الجنوب. وفاحت رائحة الأزهار من الحديقة الشتوية فخيَّم سحر الليل الجنوبي, لكن الحزن على السعادة المفقودة امتزج الآن مع هذا السحر.

وفجأة سمعا صوت زاوير:

- المعذرة لكوني أزعجتكما, هنئاني فقد وُلِدَ لي صبي اليوم صباحاً.

نهض شتيرنر وإلزا, وقد قلقا لسبب ما من هذا الخبر.

تابع زاوير وقد بدا عليه الإعياء الشديد والسعادة:

- حتى إنني لم أستطع إبلاغكما عن هذا هاتفياً, فأنا لم أنم طوال الليل ... قلقت. هي نائمة الآن.

- بسلامة؟

- كانت الولادة صعبة. وزوجتي ضعيفة جداً. مضاعفات في الكليتين. بقول الأطباء إنه من الضروري أن تسافر إلى الجنوب, ومن المحتمل أن ذلك لفترة طويلة, لكنها لا توافق على السفر من دوني. هل تخليان سبـيلي؟

ونظر زاوير إلى شتيرنر وإلزا نظرة رجاء.

استغرق شتيرنر في التفكير.

قالت إلزا:

- بالطبع, أليس كذلك يا لودفيغ؟

- سأعطيك الجواب بعد يومين, أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً. أما الآن فاسمح لي أن أهنئك بزاوير الصغير.

انحنى زاوير.

- المعذرة, لكني مستعجل.

وخرج بعد أن ودعهما بسرعة.

أما إلزا وشتيرنر فقد وقفا ساندين مرفقيهما إلى البـيانو, وغرقا في أفكارهما.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:49 pm






- ذهان جماعي





مرَّ أسبوع ولم يسافر زاوير مع زوجته بعد. لم يخرج شتيرنر من غرفته تقريباً في الأيام الأخيرة وكان متجهماً جداً, حتى إن الأمسيات الموسيقية في القاعة الكبـيرة قد ألغيت. حاولت إلزا مقابلة شتيرنر في بعض الأحيان لكن شيئاً ما منعها, ومع ذلك فقد تسكعت في القاعة, وتوقفت وعقدت يديها وهمست بصوت خافت:

- كم أنا تعيسة!

في نهاية الأسبوع أخذ شكل شتيرنر يبهت بطريقة ما في وعيها, وكان وجهه يتراءى أمامها أحياناً فيبدو غريـباً ومخيفاً.

كانت تتفرس أكثر فأكثر في الأثاث المحيط بها بذهول, كما لو أنها تشاهده لأول مرة. ولاحقتها في نهاية الأسبوع هيئة زاوير. حبـيبي زاوير, كيف استطاعت نسيانه؟ لم تفكر إطلاقاً أن زاوير متزوج وأنه قد ولد لـه طفل, كما لو أن ذلك لم يكن. التقت بزاوير مصادفة فرمقته بتلك النظرة الحنونة, بحيث إنه نظر إليها مندهشاً, ثم تعكر فجأة واستغرق في التفكير, كما لو أنه يحاول تذكر فكرة ما غابت عنه.

قالت وهي تناديه باسمه مجدداً:

- أوتو, أنا لم أرك منذ فترة طويلة ... لماذا تتحاشاني يا أوتو؟

ثم أضافت بصوت خافت وقد مدت يدها نحوه:

- أنا وحيدة تماماً ... أحتاجك, يا أوتو...

كانا وحدهما.

جلس أوتو على الكرسي قرب إلزا, ومسح جبـينه براحته مسحاً قوياً. أيقظت كلمات إلزا اللطيفة ذكرياته النائمة.



أفصح وجه زاوير عن صراع مرير, وفجأة شقت طريقها فكرة ما فأنارت وجهه. أمسك إلزا من يدها ونظر إليها نظرات عشق, ثم نطق بصوت يقطعه الاضطراب:

- نعم, نعم, نحن لم نتقابل منذ فترة طويلة! إلزا, حبـيبتي, إلزا! كيف استطعت نسيانك؟ أنا لا أعرف ما الذي يجري معنا, لكن كما لو أن الضباب قد تبدد الآن فرأيتك بعد طول فراق. أين كنت يا إلزا؟ ما الذي جرى معك؟

جلسا كما لو أنهما تقابلا في حقيقة الأمر بعد فراق طويل محزن, ولم يستطيعا أن يشبعا نظراً أحدهما من الآخر.

أخذا يتحدثان عن حبهما مقاطعاً أحدهما الآخر, تحدثا عن كآبة الوحدة وعن السعادة بهذا اللقاء.

دقت ساعة البرج معلنة انتهاء الساعة إثر الساعة. تعالت الضربات مدوية في الغرف الفارغة, فيما هما يتابعان الجلوس والحديث دون أن يلاحظا الوقت.

لم يرسما أي خطط. لم يتذكرا الماضي ولم يفكرا بالمستقبل. لقد انتشيا بدقيقتهما الراهنة ببساطة, انتشيا بهذا الشعاع الذي اخترق اختراقاً مفاجئاً العتمة التي أحاطت أفكارهما وأحاسيسهما الحقيقية. ودقت الساعة مرة أخرى فقالت إلزا:

- إنها الساعة الثانية عشرة, كم تأخر الوقت! إلى الغد يا حبـيبي.

ثم بادرت إلى عناق زاوير أولاً, وقبلته قبلة طويلة وعنيفة.

لكن هذا "الغد" لم يأت.

لقد أخرجهما شتيرنر من تحت سيطرته مؤقتاً فقط, لأنه كان مشغول الرأس بهموم جديدة. صنع جهازاً ما معقداً, كان ينبغي أن يزيد من قدرته ومن سلطته على الناس. لقد دفعته تعقيدات جديدة ومسائل ضخمة ناشئة لتصنيع هذا الجهاز.

ازداد إنتاج الصناعات التي يشرف عليها ازدياداً غير عادي بفضل الإجراءات التي اتخذها, فرخصت البضائع وأشبعت السوق الداخلية بها. وأقبل شتيرنر على أزمة فائض إنتاج كارثية. كان الاستحواذ على الأسواق الأجنبـية فقط يستطيع إنقاذه, لكن عوائق ضخمة جابهته على الطريق نحو ذلك. فالدول الأجنبـية التي خافت من منافسة بضائعه الرخيصة فرضت رسوم حماية عالية. وكان ينبغي كسر هذا الحاجز مهما كلف الأمر. فالحرب الاقتصادية التي خاضها مع المنافسين الأجانب وصلت إلى مرحلة كان ينبغي فيها أن تتحول إلى صدام مسلح بصورة حتمية, لكن إعلان حرب حقيقية كان أمراً معقداً. في الحقيقة , لقد فعل بالحكومة كل ما أراد, ولكن مع ذلك كانت الحكومة عقبة بـين إرادته والعمل, فقرر أنه قد آن الأوان كي يقضي على الحكومة, ليصبح هو ذاته حاكم البلاد الوحيد والمطلق, فيخضع لإرادته ملايين الناس, ويوحي إليهم بفكرة ضرورة الحرب, فيذهبون للموت بسعادة مثلما مات جنود نابليون.

لكن كان يلزمه لذلك سلاح ذو قدرة غير عادية, "بعيد المدى" يقهر أفكار الناس وإراداتهم, سلاح للإيحاء الجماعي, أمواج راديوية ... وعمل عملاً مركزاً لصنع ذلك, فنسي مؤقتاً الناس المحيطين به.

حُلَّت مسألة شتيرنر في ذلك اليوم الذي افترقت فيه إلزا عن زاوير بقبلة. وتذكرهما في الليل فقط. تذكرهما فانقلب كل شيء في نفسيهما. عاد زاوير إلى حب "خادرته" الصغيرة إيما وإلى عبادة الطفل, أما إلزا فكررت بحنان اسم لودفيغ في منامها ما قبل الصباحي.

قدمت إليه صباحاً وقبلته على جبـينه في غرفة المكتب, ثم قالت:

- حبـيبي لودفيغ, عندي لك طلبان!

- مرحبا يا عزيزتي … طلبان كاملان! مُريني يا أميرتي.

- غوتليب هنا.

- غوتليب ثانية؟

- إنه غوتليب الشاب, رودولف.

- لكن الشاب يشبه العجوز, كما تتشابه قطرتا ماء. تلزمه النقود, أليس كذلك؟

- لقد تشاجر رودولف مع أبـيه عندما علم أن العجوز قد حصل على مئتي ألف منا ولم يعطه شيئاً, لذا يرجو رودولف غوتليب...

- ولا بأي حال من الأحوال!

- لكننا أغنياء جداً يا لودفيغ!



- يمكن أن نعطي صدقة للعجوز مهما كان السبـيل لإنفاقها, لأننا بالضبط أغنياء جداً, أما إعطاء هذا الصبي فإنه يعني إعطاءه مبرراً للتفكير بأننا انتزعنا منه لقمة العيش بطريقة ليست سوية تماماً, وأننا ذاتنا نعترف بذلك. وعندئذ لن تتخلصي منه. وسيبدأ بابتزازنا. لا يحتاج العجوز للكثير وهو راض, أما رودولف … فإنه لا يزال خطراً. كلا, كلا يا عزيزتي. لا يمكنني فعل ذلك حفاظاً على مصالحك.

- لكنني وعدته تقريباً ...

فكر شتيرنر فقد كان مزاجه جيداً, وأرغمته إحدى الأفكار على الابتسام.

- سأتحدث معه بنفسي. اجلسي يا إلزا. دقيقة واحدة.

اختفى شتيرنر في غرفته ثم عاد من هناك سريعاً.

- سأمزح معه مزحة تجعله يقلع عن هذا المنزل. كان باستطاعتي إرغامه على نسيان بـيتنا ببساطة, لكن ضمه إلى عداد من هم "تحت الوصاية" لا يبهجني إطلاقاً.

قال شتيرنر الجملة غير المفهومة لإلزا, ثم قرع الجرس وأمر الخادم الذي دخل بأن يدعو رودولف غوتليب.

دخل غوتليب الذي لم يكن يشبه الملتمس. لقد تصارع في داخله الطمع الذي قاده إلى هنا مع الكرامة المزوقة.

قال شتيرنر:

- اجلس أيها الشاب, هل تلزمك النقود؟

اهتز رودولف من هذه المعاملة, لكنه تمالك نفسه واحمر وجهه الأنمش فقط, ثم قال وقد بقي واقفاً:

- نعم تلزمني النقود. وكما يتهيأ لي ... فإن طلبي ليس دون أساس إطلاقا.

"فكر شتيرنر: غبي! إنه يجرد نفسه من السلاح بهذه البداية".

- إذا كنت تصوغ المسألة بهذا الشكل, أيها السيد غوتليب, فعليك باللجوء إلى الجهات القضائية الملائمة للبرهنة على وجاهة اعتراضاتك "القانونية".

أجاب رودولف بعبارة محضرة مسبقاً:

- هناك معايير أخلاقية إضافة للمعايير الحقوقية. ولا حاجة للبرهنة على حقوقي المعنوية.

- بالأخلاق تدار أعمال الإحسان, وهنا لا توجد مؤسسة خيرية.

احتدم رودولف فجأة:

- كفاك نزوات! إما أن ترضيني أو أنني ...

- أخ, أنت تهددني؟ أنا معتاد على إبعاد أمثال هؤلاء الزوار باحترام خاص.

صفر شتيرنر, فسُمِع من غرفة المكتب المجاورة وقع أقدام ناعمة لكن ثقيلة, ودخل دب بني إلى غرفة المكتب متهادياً من قدم إلى أخرى على قائمتيه الخلفيتين, ثم اقترب بصمت من رودولف, وأنشب قائمتيه في صدره, وأخذ يدفعه نحو الباب الخارجي.

امتقع رودولف, ووصل إلى الباب وهو نصف حي من الخوف, ثم هرع يركض فجأة هارباً من الدب الذي يلاحقه وهو يصرخ صراخاً هستيرياً.

كانت إلزا خائفة, فيما قهقه شتيرنر بعد أن استلقى في المقعد.

- هذه أفضل طريقة للتخلص من الزوار غير المرغوبـين. لن يظهر مجدداً, اطمئني!

ثم ضحك مجدداً.

رن الهاتف.

- آلو! شتيرنر, نعم أنا أسمعك. أ هذا أنت ثانية يا سيد غوتليب؟ لن تترك الأمر يمر هكذا؟ أوهو! وهل تطلق النار جيداً؟ نعم, نعم. لكنني أنصحك فقط بألا تتصيدني قرب المنزل! واعلم أنني قد أعطيت أمراً ملزماً لأصدقائي من ذوي القوائم الأربعة كي يمزقوك إلى قطع مثل جدي غبي إن وقعت أعينهم عليك ثانية! ماذا, موت عمك؟ قاتل؟ قل لي من فضلك! نعم, نعم ... أتمنى لك التوفيق!

قال شتيرنر وهو يضع سماعة الهاتف:

- أحمق.

- لودفيغ هل يمكن إخافة الناس بمثل هذا الشكل؟

- يا عزيزتي, إنه أكثر الأسلحة براءة في ترسانة الصراع الإنساني. لكن كان لديك طلب ثان أيضاً؟

- أنا الآن لا أعرف ...

- لا تقلقي. فمحميك الثاني لن يقع في قبضة دب. من هو؟

- إنها إيما. لقد كنت عندها. وقد رجتني كي ندع زاوير يسافر معها إلى الجنوب. علاجها ضروري وهي لن تذهب دون زوجها.

- نعم, يمكن. الآن يمكن. سأدبر نفسي من دون زاوير.

ثم كرر شتيرنر بعد أن تناول عدد الجريدة الصباحي:

- الآن يمكن! على فكرة هل قرأت جريدة اليوم؟ هاك اقرئي, ملاحظة طريفة. اقرئي بصوت مسموع.

أخذت إلزا الجريدة التي علم شتيرنر عنواناً فيها بقلم أحمر.

"ذهان جماعي

لوحظت ظاهرة غريبة في المدينة في الحادية عشرة ليلاً من مساء الأمس, واستمرت مدة خمس دقائق لدى كثير من الناس. عددهم لم يحدد بعد, ولكنه وفقاً للمعطيات الموجودة يزيد عن عدة آلاف شخص. فقد ظهرت فكرة ملحاحة, والأصح لحن لجوج من الأغنية المعروفة "حبـيبي أوغسطين". مثل هذه الأفكار الملحاحة وُجدت سابقاً أيضاً لدى أشخاص منفردين ممن يعانون من الاضطرابات العصبـية. الميزة غير المفسرة لهذه الحالة هي طبـيعتها الجماعية. وقد كان أحد موظفي جريدتنا ذاته ضحية هذا الذهان.

وهاكم كيف يصف الحدث:

- جلست مع صاحبي, الناقد الموسيقي المعروف في المقهى. اشتكى الناقد الشديد الغيرة على الموسيقا الكلاسيكية من هبوط الأذواق الموسيقية, ومن توسخ المسارح الموسيقية بفرق الجاز المبتذلة والفوكستروتات. وتحدث بحزن عن أنهم نادراً ما يُقدِّمون القدماء العظام مثل بـيتهوفن وموتسارت وباخ. استمعت إليه بانتباه وأنا أهز رأسي لأنني من أنصار الموسيقا الكلاسيكية. وفجأة لاحظتُ ببعض الرعب, أنني أدندن ذهنياً لحناً لأغنية تافهة هي: "حبـيبي أوغسطين". ففكرت: "ماذا لو أن سميري علم بذلك؟ وبأي ازدراء كان سيعرض عني!..". وتابع حديثه, لكن كما لو أن فكرة ما لجوجة كانت تلاحقه ... حتى إنه كان من وقت لآخر ينفض رأسه, بالضبط وكأنه يطرد ذبابة أسأمته. كانت الحيرة مرتسمة على وجهه. وأخيراً صمت الناقد, ثم أخذ ينقر إيقاعاً على الكأس بالملعقة, فأصبت أنا بالدهشة لأن نقرات الملعقة كانت مطابقة تماماً لإيقاع الأغنية التي جالت في رأسي. وفجأة خطر لي هاجس غير متوقع, ولكنني لم أقرر الإفصاح عنه بعد. وتابعت بتعجب مراقبة نقرات الملعقة.

صعقت الأحداث اللاحقة الجميع:

أعلن المايسترو وهو يرفع عصاه:

- زوبـيه, "الشاعر والفلاح".

لكن الأوركسترا عزفت فجأة "حبـيبي أوغسطين". عزفت بالوتيرة والنبرة ذاتهما … فوقفنا أنا والناقد وجميع الجالسين في المطعم مثل رجل واحد, وبقينا واقفين دقيقة وكأننا أصبنا بالكزاز. ثم تكلم الجميع فوراً فجأة, ولوحوا بأيديهم باهتياج, ونظروا بعضهم إلى بعض في حيرة تامة. كان واضحاً أن هذا اللحن الملحاح قد تعقب الجميع في الوقت ذاته. وسأل الناس الغرباء بعضهم بعضاً, فاتضح أن الأمر كان كذلك. استدعى هذا انفعالاً استثنائياً, وتوقفت الظاهرة بعد خمس دقائق بالضبط.

ووفقاً للاستعلامات التي أجريناها, فقد عمَّ هذا اللحن الملحاح جميع القاطنين حول ساحة البورصة وشارع المصرف تقريباً. وقد دندن كثيرون اللحن بصوت مسموع وهم ينظرون برعب بعضهم إلى بعض. وحدثنا من كان في الأوبرا أن فاوست ومارغريتا أديا فجأة "حبـيبي أوغسطين" بمرافقة الأوركسترا عوضاً عن تأدية الدويتو"آه, يا ليلة الحب". وعلى هذه الأرضية فقد عدة أشخاص عقولهم فأخذوا إلى مشفى الأمراض النفسية.

وتنتشر مختلف الإشاعات عن أسباب ظهور هذا الوباء الغريب. ويقدم ممثلو الوسط العلمي الأكثر اطلاعاً اقتراحاً بأننا نتعامل مع قضية ذهان جماعي, على الرغم من أن طرق انتشار هذا الذهان لا تزال غير معللة. وبغض النظر عن الشكل البريء لهذا "المرض", فإن المجتمع قلق قلقاً استثنائياً لسبب مفهوم تماماً, فكل ما هو "غير معلل" ومجهول يخيف ويذهل الخيال البشري. زد على ذلك أنه ظهرت تخوفات من أن "المرض" يمكن أن يعود للظهور بأشكال أشد خطراً. كيف يمكن مكافحته؟ كيف نحتاط ذاتياً؟ لا أحد يعرف هذا, مثلما لا أحد يعرف أسباب ظهور "المرض". وقد تشكلت على عجل لجنة من ممثلي الوسط العلمي, وحتى من النيابة العامة التي ستسعى لكشف سر الأغنية المرحة التي ألقت الرعب بـين الجمهور الساذج . لنتحلَّ بالصبر ولنحافظ على الهدوء. فمن الجائز ألا نجد كل شيء بتلك الجدية والخطورة التي تبدو للكثيرين".

أنهت إلزا القراءة ونظرت نحو شتيرنر ثم سألته:

- ما الذي يعنيه كل ذلك يا لودفيغ؟

- هذا يعني أن كل شيء رائع! فلنذهب لتناول الإفطار يا عزيزتي !

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:51 pm






5 - لجنة الإنقاذ الاجتماعي





خلافاً لتأكيدات الجرائد المُطَمئِنة فقد تبـين أن الأغنية الألمانية المرحة التي أزعجت سكان المدينة الضخمة هي قضية جدية, توحي بتخوفات كبـيرة.

لم يمض أسبوع منذ ذلك الوقت الذي اضطر فيه آلاف الناس لغناء هذه الأغنية, حتى حصلت حادثة أقلقت على نحو أكبر ليس المجتمع فقط وإنما الحكومة أيضاً.

في منتصف النهار تماماً أوقفت كل الحركة لمدة دقيقة في قسم من المدينة. كان يمكن الظن بأنه يجري "إضراب ما احتجاجي لمدة دقيقة", لكن الإضراب لم يسبق لـه مثيل من حيث تنظيمه وشذوذه.

توقف عمل المؤسـسات فجأة, كما لو أنه بإشارة من صولجان سحري.

كف الموظفون عن الكتابة, كما لو أن شللاً لحظياً كبل أيديهم. وتجمد الباعة في المخازن وهم يناولون البضائع للشارين, ووقفوا دون صوت بأفواه فاغرة وابتسامات متسمرة مثل المصعوقين.

تحول الموسيقيون في أوركسترات المطاعم إلى تماثيل, وتسمرت الأقواس في أيديهم. كما تثبت الزوار في وضعياتهم, منهم من رفع الفنجان بـيده, ومنهم من قرَّب قطعة لحم بالشوكة إلى فمه المفتوح.

لكن أكثر ما أدهش هو منظر الشوارع والساحات التي لفَّها التجمد الغريب. هاهم أولاء الخفراء برفقة معتقل في وسطهم. كان المعتقل يستطيع الهرب بسهولة من حراسه المتحجرين لو أنه لم يتسمر هو ذاته وقدمه مرفوعة. وفي السوق مد طفل جائع يده إلى فطيرة وقد حنى جسمه بقوة وباعد قدميه ليهرب, في حين انقضت البائعة عليه بهيئة دجاجة تدافع عن صيصانها من حدأة مغيرة. كان في هذه المجموعة المتحجرة الكثير من الحركة وقوة التعبـير والحيوية, بحيث إن النحات كان سيدفع كثيراً كي يملك إمكانية إيصال موديلاته الحية إلى تلك الحالة, كما لو أن لقطة فوتوغرافية برهية قد ثبتت اللعبة اللحظية لتعابـير الوجوه وحركة العضلات.

شمل التخشب ذاته المارة الموجودين على الأرصفة. وأعجَبُ ما في الأمر كان أن الظاهرة الغريبة استحوذت على الحركة في المدينة بشكل شريط. وكان كل عابر سبـيل يدخل المنطقة الغامضة يتحجر لحظياً, في حين لم تتوقف الحركة المعتادة في الجهتين المحاذيتين لهذه المنطقة. أما السيارات التي دخلت بتسارع إلى هذه "المنطقة الميتة" فقد انسلت منها. أو الأصح, أن الآلة قد حملتها, لأن السائق والركاب كانوا يفقدون قدرتهم, ليس على الحركة فقط وإنما على التفكير مدة دقيقة كاملة.

لم تستدر السيارات على المنعطفات, فاقتحمت البـيوت واصطدمت واحدتها بالأخرى متكدسة على شكل مواكب كاملة. وحدثت كارثة لقطارين على السكك الحديدية في المدينة. زد على ذلك أن أحد القطارين كسر الركيزة وسقط على الشارع.

لم يكد المجتمع يثوب إلى رشده بعد هذه الهزة حتى أصيبت المدينة بضربة جديدة. فقد عبرت المدينة على شكل شريط موجة خبل ما جماعي استمرت خمس دقائق. فتملك الجميع هياج شديد. وكانت مادة الجنون في هذه المرة كلمة "الحرب".

صرخ الرجال وهم يلوحون بالعصي والمظلات, وصرخت النسوة والعجائز والأطفال بحماسة غير عادية:

- الحرب, الحرب حتى النصر! الموت للأعداء!

وغنوا الأناشيد الوطنية دون تناسق. كانت وجوه الجميع رهيبة. وبدا كأن هؤلاء الناس قد ثملوا من الدم, وأنهم يرون أمامهم عدواً مميتاً.

- الموت أو النصر! الحرب! عاشت الحرب!

كان التعطش للعمل والنضال والدم قوياً إلى درجة حصول سلسلة من المذابح في الطرقات. فقد تقاتل الرجال والأولاد بعضهم مع بعض. وأحاطت النسوة بسيدة بدينة توهمن أنها أجنبـية, وضربنها بالمظلات إلى حد أنه لم يبق من المظلات إلا أسياخها المحنيَّة. كانت وجوههن ممتقعة, والتهبت أعينهن بالكراهية. سقطت قبعاتهن على الأرض واسترسلت شعورهن. وتابعن ضرب المرأة المنكودة بنوع من السادية المقارب للتلذذ الشهواني بالقسوة. وخيل إليهم وجود جواسيس أجانب في كل مكان. أوقف جمهور الرجال سيارة إسعاف سريع عابرة, وأخرج منها جاسوساً متخيلاً. نزع الرجال الضمادات عن جسد المنحوس المحروق. صرخ المريض, أما الناس الذين جنُّوا فقد جاسوا في الضمادات بحثاً عن أوراق سرية.

كانوا جميعهم, رجالاً ونساء, عجائـز وأطفالاً, بهذه الحالة إلى درجة أنهم كانوا سيذهبون حقيقة للموت في ساحات الوغى. وكانوا سيموتون وهم يفكرون ليس بأنفسهم, وإنما كيف سيقـتلون فقط.

انتهت نوبة الجنون فجأة تماماً مثلما بدأت.

نظر الناس المصعوقون والمصدومون إلى المضروبـين والجرحى, وإلى آثار الدماء على الأرض, وإلى بذاتهم الممزقة غير المرتبة, وإلى شعورهم, ولم يستطيعوا أن يفهموا ما الذي يعنيه كل هذا.

اللجنة المشكلة لتقصي أسباب خبل الناس الجماعي في موضوع الأغنية المرحة سرعان ما تحولت إلى هيأة للإنقاذ الاجتماعي.

الإنقاذ ممن؟ لم تعرف اللجنة ذلك, لكن لم يعد أحد يشك بأن المجتمع مهدد بخطر شديد لم يسبق لـه مثيل في التاريخ. خطر من عدو مجهول غير مرئي قد يكون شخصاً أو ميكروباً. بدا العدو الجديد الخفي للحكام أخطر من الحروب والثورات, تماماً لأنه كان غير مرئي. لم يكن معروفاً من أين سيأتي الخطر الجديد وكيف سيكافح. كان قلق المجتمع غير اعتيادي. ففي كل يوم كان يجن عشرات الأشخاص, وكانوا ينهون حياتهم انتحاراً لأنهم لم يكونوا قادرين على تحمل الانتظار المتوتر لمصائب جديدة مجهولة. وحافظت الحكومة والصحافة بصعوبة بالغة على سير الحياة المعتاد. وبدا أن ضغطاً قليلاً أيضاً سيؤدي ليس إلى انحلال الدولة فقط, ولكن إلى انحلال جميع أسس العيش المشترك وتحولِ المجتمع إلى مشفى شاملة للمجانين.

شُعِرَ بذلك في العاصمة بقوة غير عادية. فقد وُجِدَ أنذال غذوا بأنفسهم هذا الذعر عن طريق نشر الشائعات الفظيعة, على الرغم من أنهم لم يستـسلموا للذعر بتلك الدرجة.

- ستحل قريـباً نوبة جديدة للمرض. وسيبدأ بعض الناس بقرض رقاب بعضٍ.

- سيتوقف البشر عن التنفس وسيموتون اختناقاً وهم يعانون عذاباً شديداً.

- سيحل النوم الفجائي ولن يستيقظ أحد أبداً ...

وقد صدَّقوا كل هذا.

لقد بدا كل شيء ممكناً بعد حصول ما حصل.

باع الناس بـيوتهم وأشياءهم بأبخس الأثمان لمن ضارب مستغلاً الذعر, ورحلوا من المدينة إلى أماكن لم يطلها الوباء بعد.

اجتمعت لجنة الإنقاذ الاجتماعي من دون انقطاع تقريـباً. وجرت هذه الاجتماعات في قبو عميق من مبنى بلدية المدينة, وأحيطت بالكثير من السرية خوفاً من أن تنكشف أمام العدو الخفي, فيما لو كان كائناً حياً. وبقي السر غير مفضوح على الرغم من أن أعضاء اللجنة قد اجتمعوا في النهار وفي الليل بالتناوب.

وُجد تضارب بـين العلماء والخبراء المدعوين.

قدم الأطباء النفسيون فكرة الذهان الجماعي والتنويم المغنطيسي, فقد خضعت ثورة المشاعر القتالية المتعطشة للدماء لهذا التفسير العلمي, ولكنه كان من الأصعب تعليل الأداء المتزامن للأغنية ذاتها من قبل جمهور الناس. لقد بدت هذه الأغنية للعلماء ظاهرة أكثر خطورة من الهيجان المفاجئ لجمهور الشارع بغض النظر عن براءة "المرض". فالعلم يعرف أمثلة عن قابلية انتقال عدوى الانفعالات المعبر عنها بوضوح تعبـيراً خارجياً, ويعرف أمثلة عن "إجرام جمهور" التنويم المغنطيسي الجماعي. لكنه يجهل أشكال التنويم المغنطيسي الجماعي "المكتوم".

وبدت الإشارة إلى السحرة الهنود, وكأنهم قادرون على فعل شيء مشابه, غير مقنعة. فكل أعاجيـبهم التي تبدو وكأنها تنفذ بوساطة التنويم المغنطيسي الجماعي لم تختبر ولم تدرس, وقد حبكها خيال الرحالة المتوهمين. ولم تقد إلى شيء أيضاً "الفرضية الميكروبـية" التي حاولت تفسير الظاهرة الغامضة بفعل ميكروب جديد. وفُحِص فحصاً دقيقاً مئات الأشخاص من المتعرضين "للمرض" الجديد, إذ حلل الأطباء دماءهم, لكنهم لم يجدوا أي ميكروب.

قال المهندسون الكهربائيون:

- ستحل المسألة في حقل مختلف تماماً. أقوى الاحتمالات أننا نتعامل مع أمواج راديوية يتلقفها جسم الإنسان مباشرة.

سألهم المهندسون القدماء بسخرية:

- مستقبلات راديوية بشرية؟ هل هذا شيء من حقل الخيال؟

أجابهم الأولون:

- والراديو ذاته, أليس من حقل الخيال؟

هز العجائز أكتافهم.

- برهنوا لنا!

- سنبرهن!

وأقبل المهندسون على إجراء التجارب أسوة بزملائهم الأطباء.

وعمل يوهان كرانتس عملاً مركزاً لكشف هذا السر, في الوقت ذاته الذي جلس فيه العلماء في مخابرهم وراء ميكروسكوباتهم وصماماتهم المهبطية.

لم ينتم يوهان كرانتس إلى فئة العلماء الجليلة. لقد كان عبارة عن شرطي تحري فقط. رجل ذو خبرة مهنية كبـيرة وذو عقل غير رديء. حتى إنه لم يطرح على نفسه السؤال حول من هو العدو: هل هو ميكروب أم إنسان؟ لأنه ينبغي إيجاد العدو كائناً من كان, وبتلك الطريقة التي قادت كرانتس نحو الهدف مراراً. آثار الجريمة! هذا ما يهم التحري. لقد كانت أكثر من كافية. ينبغي فقط استخدامها بمهارة. وأقبل كرانتس على العمل بقوة, وقد أثارته أهميته وسريته, وكذلك رغبة مغرورة لسبق العلماء الكثيري التفكير الذين يضعون النظارات.

جلس الليالي بطولها في غرفة المكتب الكبـيرة خلف طاولة المكتب المطمورة بغنائم انتصاراته, وهي صور المجرمين وبصمات الأصابع ومفاتيح مشتركة وأدلة مادية. وانكب على مخطط المدينة الكبـير, منظماً جميع أخبار الجرائد وبلاغات الشرطة عن آخر الأحداث.

سبح في دخان التبغ بالمعنى الحرفي, ونادراً ما جدد هواء الغرفة, نفث الدخان مجدداً, ورسم على الخريطة خطوطاً ما متقطعة, كما لو أنه قد تعقب مجرماً تعرف إليه.

ثم صرخ وهو يصل خطين بزاوية حادة على خريطة المدينة:

- جاهز!

كانت الساعة الرابعة صباحاً. طوى كرانتس مخطط المدينة باستعجال, ووضعه في حقيـبته الرثة, ثم استدعى سيارة وانطلق إلى اللجنة.

صرخ وهو يطير راكضا نحو القاعة المقنطرة:

- خبر مستعجل, السر ينكشف.

اضطرب المجتمعون الذين كانوا كثيرين جداً رغم تأخر الوقت, وسأل أحد أعضاء اللجنة بقلق:

- هل كشفت السر؟

أجاب كرانتس:

- لقد قلت السر ينكشف, وهو سينكشف. لقد وجدت مكان إقامة الميكروب المجرم أو الإنسان. لقد وجدت تلك البؤرة التي يصدر عنها التأثير الخفي.

ثم تابع كرانتس وهو يخرج الخريطة باستعجال ويفردها على الطاولة بادئاً بالشرح, وقد احتشد الجميع حوله:

- طريقتي بسيطة جداً: لقد رتبت جميع المواد الخاصة بالأحداث غير المفسرة كي أحدد بدقة المناطق المصابة "بوباء الخبل". وهاكم ماذا نتج. لم تعطني حالة الأغنية الكثير. لقد شمل هذا الوباء قسماً من المدينة بدائرة نصف قطرها نحو الكيلومترين. ولوحظ اللحن الملحاح متدرجاً في ضعفه خارج الكيلومترين, ولم يمس أحداً عند الكيلومتر الثالث. ووُجد مركز هذه الدائرة حول ساحة البورصة وشارع المصرف تقريـباً. وقرب هذا المكان بالضبط سُجِلت تلك القوة للجاجة اللحن, بحيث إنهم لم يفكروا به فقط وإنما أدّوه بصوت مسموع. ولم أتمكن مع الأسف من تحديد هذا المركز تحديداً رياضياً دقيقاً, لأنني لم أتمكن من إنشاء تدرج تناقصي لقوة اللجاجة على أساس الاستنطاقات. فالأشخاص الذين كانوا في المكان ذاته يعطون بـيانات مختلفة جداً, ومن الواضح أن الخواص الذاتية أجبرت كل واحد على التلقي تلقياً مختلفاً.

قال أحدهم بخيـبة أمل:

- ذلك فقط؟

- ليس ذلك فقط أبداً. فقد أعطى الوباء اللاحق أكثر بكثير. لقد سار هذا الوباء وفق اتجاه معروف, وشمل قطاعاً ضيقاً نسبـياً, وانتهى في مكان محدد. حصلت على شيء يشـبه الشعاع, الذي يبتدئ من مبنى مصرف إلزا غليوك.

ضجَّ الجمهور.

- شتيرنر! إنه هو طبعاً! لقد قلت!

ذُكِرَ اسم شتيرنر في اللجنة أكثر من مرة.

قاطعهم كرانتس :

- لا تتعجلوا بالاستنتاج أيها السادة. لقد كنت واثقاً أيضاً أن الخيوط تقودني إلى شتيرنر, ولكنني انتظرت بفارغ الصبر "الحفلة" التالية من أجل التأكد. وكان "الخبل الحربي" هو هذه الحفلة. لقد اخترق المدينة أيضاً مثل شعاع, ووصل إلى منزل غوتليب, منزل إلزا غليوك الآن. ونتجت زاوية حادة. ولكن لو وصلنا النهايات, فإن نقطة المنطلق ستكون خلف مبنى إلزا غليوك. وستقع في المبنى المجاور. هاكم, هل تتفضلون بالمشاهدة؟

ثم أراهم الخريطة وأعطاهم الشروح.

- ما الذي يوجد في هذا المبنى المجاور حيث يقع رأس الزاوية؟

- مطعم "أمبـير". إلى هناك يجب أن يتوجه بحثنا.

ولطم كرانتس الخريطة براحته الدهنية, كما لو أنه قتل ذبابة.

كانت براهين كرانتس بسيطة ومقنعة. فقررت اللجنة بعد مداولات قصيرة إجراء تفتيش عام في مطعم "أمبـ‎ير" وفي الغرف الموجودة في ذلك المبنى.

وتواً استنفرت كل الشرطة هاتفياً.

أحاطت بالمبنى على شكل حلقة متراصة مفرزة كبـيرة من الجنود, الذين فتشوا القاطنين المذعورين, وقلبوا كل شيء رأساً على عقب من العلية إلى القبو, لكنهم لم يجدوا شيئاً مثيراً للشك رغم كل مساعيهم.

تجهم كرانتس ولكنه لم يستسلم.

- واحد ما من زوار المطعم كان يستطيع القيام بكل هذا السحر.

كان هذا غير ممكن أيضاً.



حظروا على جميع المقيمين في المبنى حظراً صارماً الحديث عن التفتيش الليلي إلى أي كان. واعتقلوا عدة أشخاص ممن أثاروا شكوكهم, وقرروا وضع مراقبة غير معلنة على رواد المطعم.

ومع ذلك فقد ذاع الخبر في المدينة. واجتاح الجمهور المهتاج المطعم, فاضطروا إلى إغلاقه.

تأوه كرانتس وشتم وقد كدَّره الفشل, ثم قال:

- لكن سنصارع أيضاً. كائناً من كان خصمنا, فإنه يعرف الآن أننا نسير وراء الأثر الصحيح. وسنرى إن كان سيجرؤ على تذكيرنا بنفسه ثانية. فالخط الثالث سيقرر مصيره.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 3:58 pm




6 - محاولة اغتيال فاشلة





- السعادة! السرور! النعيم! يا لها من حياة رائعة! يا لها من لذة.

عانق إنسان شاب مصباح الشارع بعينين زائغتين وبسمة عريضة على وجهه, كما لو أن المصباح كان صديقه الحميم.

- حبـيبي القنديل! هل أنت سعيد مثلي ...

وحضن عجوز نحيل يلبس ثياباً رثة امرأة صبـية في ثوب نفيس:

- كم أحبك يا عزيزتي! كم أنتم جميعكم أحباء وغالون!

وقبَّـلت هي شعر وجنتيه الخشن والقصير والقاسي, وأجابته هامسة:

- أنا في غاية السعادة! يبدو لي أنني وجدت أبي المرحوم ... لقد كان يشبهك ... أبي, أبي الغالي!

وفي مكان قريب تبادل العناق عدوان سياسيان قديمان, مؤيد للملكية وفوضوي:

- كفانا صراعاً! فالحياة في غاية الروعة!

قطف أحد الصعاليك زهرة من المتنزَّه العام المجاور, وقدمها لشرطي كما يقدم الكنز:

- خذها مني يا صديقي!

قبَّل الشرطي السمين ذو الأنف الرمادي الأزرق الصعلوك بحنان وأخذ منه الوردة.

- أشكرك من أعماق قلبي! الورود سعادة الحياة! أنا أحب الورود والأغاني حباً جماً!

- هل نغني؟

- فلنغنِّ.

جلسا على العشب, وبعد أن تعانقا غنيا أغنية عاطفية وهما يسكبان دموع التأثر.

صرخ صاحب مخزن مجوهرات بانشراح مفرط في حماسته, وهو يملأ جيوب الزوار بالخواتم والأحجار الكريمة وعقود اللؤلؤ والساعات الذهبـية:

- خذوها, خذوها جميعها! الأمر سيان, لن نأخذها معنا إلى القبر! فليملأ السرور قلوبكم مثلما يملأ قلبي! فلتذهب التجارة إلى الشيطان! فلتعش السعادة الشاملة!

برأت المحكمة مجرماً سياسياً خطيراً. واعتذر النائب العام المعروف بقساوته عن توجيه الاتهام في هذه المرة, وعانق المجرم وهو يضع رأسه بهمة فاترة على صدره, ثم بكى من التأثر وهمس:

- يا صديقي, يا أخي! من الجيد أن تسامح وأن تحب!

حتى في المسالخ عانق الجزارون المحترفون الثيران المجلوبة إليهم للذبح, وقبلوها بـين أعينها بحنان, ثم مسَّدوا الحيوانات بأيديهم.

- هل خفت يا ذا الخطم؟ اشرب الماء واذهب لرعي العشب في الحديقة المجاورة. كفانا دماء! تنفس!

حصل هذا بعد عدة أيام فقط من اجتياح المقهى. وبدا كأن العبقري الشرير الذي سيطر على المدينة قد أطلق تحديه وسخر من محاولات اللجنة للنضال ضده. وكما لو أن العدو الخفي قد أهدى الناس غبطة لا سابق لها, تعويضاً عن الخبل الكئيب السابق وعن ضحايا التوقف المفاجئ للحركة في المدينة. كانت حال الغبطة كبـيرة جداً, بحيث إن الناس الذين جربوها كانوا جاهزين للقيام بكل شيء كي يجربوا ثانية اللذة غير المسبوقة. في هذه المرة حافظ الجميع على كامل ذكرياتهم عما عاشوه, وتحدثوا عن الجنة المفقودة.

وكاد هذا أن يكون أكثر هولاً من تأجج التعطش للدماء والقسوة. فأي سلطة على النفس البشرية امتلك هذا العدو الخفي؟ كان يستطيع تسميم الناس بسم اللذة أو العذاب, وأن يجعلهم سلاحاً أعمى لتحقيق رغباته, وأن يسعدهم أو ينهكهم أو يشوههم أو يقتلهم, يقتلهم دون طلقة واحدة, بهدوء ودون ضجة ومن مكان غير معروف ... كان هناك مبرر للقنوط.



جلس أعضاء اللجنة في قبو المبنى العميق ليلاً مكتئبـين وصامتين, ينظرون بأمل إلى كرانتس الذي أجمل النتائج مرتباً التقارير عن الحادثة الأخيرة, كي يحدد قطاع المدينة الذي شمله جنون اللذة.

سُمِعَت في أحيان نادرة أصوات متلهفة:

- كيف تسير الأمور, يا كرانتس؟

- سيراً رائعاً!

تذمر أحدهم غاضباً:

- لا يوجد أسوأ من ذلك!

أجابه كرانتس:

- على العكس فكل شيء يسير سيراً عظيماً. لم يكن لدي مسألة على هذا القدر من السحر والجدارة بالإجلال, نعم, نعم, نعم!

هز كرانتس أصابعه الثخينة الحمراء بسرعة مقلـِّباً الأوراق, وعلـَّم من وقت لآخر خطاً جديداً متقطعاً على خريطة المدينة. ثم تابع:

- كرانتس مثل فارس قديم العهد, سيحرر المدينة من التنين فينصبون لـه تمثالاً. لكرانتس بالطبع وليس للتنين, ها - ها! أو الأصح, لنا سوية: كرانتس يحمل الرمح في يده وعند أقدامه التنين المطعون.

سأله النائب العام الذي بكى منذ فترة ليست طويلة على صدر المجرم:

- كيف تستطيع المزاح؟ وحولك رعب شامل. إذا اعتذرت عن توجيه الاتهام فستفنى الدولة ...

- أنا أمزح دائماً حتى في مواجهة فوهة لص مسلح. ما العمل؟ عادة احترافية. يمكن ملاقاة الخطر إما بالابتسام أو بالهرب فقط. والأمور تسير سيراً ممتازاً كما أقول. عدوى الجنون تحمل مجدداً طبـيعة الموجة الموجهة. وليخردقني اللصوص المسلحون إن لم تكن قمة هذا الشعاع تؤدي إلى المكان ذاته مجدداً. سأرى خمسة تقارير أيضاً ويكون كل شيء جاهزاً...

احتشد أعضاء اللجنة حول كرانتس يعمهم القلق. حلَّ الصمت المتوتر. ووضع كرانتس اللمسات الأخيرة على الخريطة.

- جاهز!

صرخ موظف وزارة الداخلية:

- إنه يؤدي إلى مبنى إلزا غليوك مجدداً.

- نعم, مجدداً. تفضلوا شاهدوا الخريطة.

دفع كرانتس الخريطة بعيداً عنه نحو منتصف الطاولة, وأخذ يشرح:

- هاكم. هل تتفضلون بالمشاهدة. الشعاع رقم واحد هو شريط الجنون عندما توقفت الحركة كلها. وها هو ذا الشعاع رقم اثنين - جنون الحرب. لم تلتق هنا الزوايا عند منزل إلزا غليوك. وقد وقع الرأس على المبنى المجاور حيث يوجد المطعم. وإلى هناك وجهنا بحثنا.

- وأخطأنا.

- مفهوم تماماً: لقد افترضنا أن منبع التأثير واحد. لكن الحزمة الثالثة هي حزمة "سعيدة" حقاً. لقد كشف لنا قطاع السعادة الجنونية الخطأ. ويتضح أن التأثير كان من نقطـتين, لكن هاتين النقطـتين كلتيهما تقعان في منزل إلزا غليوك. هذا البـيت طويل جداً, كما تشاهدون, ومن الواضح أن نقطـتي التأثير قد وجدتا في نهايتي البـيت المتقابلتين. ولهذا السبب تخيلنا أن رأس الزاوية الحادة يجب أن يقع في المبنى المجاور لو كان مصدر التأثير واحداً. لقد أعطانا القطاع الثالث رأساً آخر, حيث تلاقى الخطان رقم واحد ورقم ثلاثة. هل هذا واضح؟

شرع الجميع يتقلقلون.

- لقد قلت سلفاً إن هذا مِنْ فِعلِ شتيرنر!

- وأنا أيضاً أكدت هذا سابقاً.

- شرير! وحش! إنه في قبضتنا الآن.

- كرانتس, سنفلح في اعتقال هذا المجرم ليلة اليوم بالذات.

أجاب كرانتس:

- الاعتقال لا يأخذ وقتاً طويلاً. أليس من الأفضل التأجيل حتى الصباح؟

سأل النائب العام بنفاد صبر, وهو الذي لم يستطع أن يغفر لشتيرنر رفضه لتوجيه الاتهام والمشهد المخجل لتآخيه مع المجرم:

- ولماذا حتى الصباح؟

أجاب كرانتس:



- ببساطة شديدة, نحن نتعامل مع مجرم غير عادي, ولهذا ينبغي اتخاذ كل إجراءات الحذر والتأمل في كل خطوة كي نضرب بلا خطأ. المصرف يغلق بإحكام في المساء ويحرس جيداً. وإذا ذهبنا ليلاً, فإننا سنـثير جلبة رغم كل الحيطة, مما سينبه العدو. من الأفضل الذهاب صباحاً في ساعة فتح المصرف, عندما لا يكون هناك الكثير من الزبن. والوصول بثياب مدنية مسلحين بمسدسات فقط. والدخول واحداً واحداً دون إثارة لشكوك حراس المصرف والموظفين, ومن ثم الانـقضاض فوراً نحو الأعلى ومباغتة العدو وإمساكه.

كان النائب العام, رغم كل نفاد الصبر لديه, مضطراً للاعتراف بأن تصورات التحري الخبـير هذه هي تصورات صحيحة, ولتأجيل اعتقال شتيرنر حتى الصباح.

تابع كرانتس:

- لكني أعتقد, أنه من المحتمل أن نضطر للتأجيل يوماً آخر...

صرخ عجوز نحيل يلبس النظارات, وهو وزير الداخلية الذي أتى إلى اللجنة شخصياً:

- هذا ما ينقصنا!

رفع كرانتس حاجبـيه:

- وما العمل يا صاحب السعادة. لقد تفضلت بإبلاغكم أنه ينبغي التفكير في كل خطوة. حرفياً في كل خطوة. يجب أن نعرف جيداً جميع ترتيـبات مبنى إلزا غليوك. جميع المداخل والمخارج. وأن نعرف بدقة الغرفة التي يقيم فيها شتيرنر وغير ذلك. ينبغي جمع هذه المعطيات, ويلزم زمن للقيام بهذا.

تكدر الجميع مجدداً.

وفجأة ضرب رئيس الشرطة نفسه على جبـينه بـيده:

- اسمحوا لي! يبدو أنني وجدت مخرجاً. في الحقيقة, القدر ذاته يساعدنا! فمنذ أيام فقط عينت في دائرتي أحد الأشخاص الشباب, وهو رودولف غوتليب. هل تعرفون هذه الكنية؟

- بالتأكيد! الوريث الفاشل. ابن أخي الصيرفي المرحوم!

قال رئيس الشرطة مبتسماً:

- هاكم دليلاً يا كرانتس. لن تجد أفضل منه. لقد درس المبنى من الأعلى إلى الأسفل عندما كان يتمتع بحقوق الوريث المستقبلي. وهو يضمر أكثر مشاعر الكراهية صراحة نحو شتيرنر. وبكلمة فإنه شخص مناسب تماماً.

- ممتاز, لكن أين نجده؟

- لا أسهل من ذلك!

هتف رئيس الشرطة وأعطى أوامره.

لم تمض الساعة حتى دخل رودولف غوتليب النعسان إلى القبو, حيث اجتمعت اللجنة. ولى نعاس رودولف فوراً عندما علم لماذا استدعَوْه, وتلألأت عيناه ثم صرخ وهو يضم قبضتيه:

- سأتحاسب معك الآن, أيها السيد شتيرنر!

تهلل رئيس الشرطة سروراً, وتوجه إليه رودولف بالحديث:

- أيها السيد الرئيس, أرجوكم رجاء حاراً ألا ترفضوا لي أكثر الطلبات استكانة!

- ما الأمر يا صديقي؟

- اسمحوا لي أن أقتل هذه الحشرة بـيدي أنا!

ارتبك وزير العدل:

- وكيف ذلك, من دون تحقيق ومحاكمة؟ فحتى الآن لا توجد لدينا أدلة مباشرة.

تدخل النائب العام في الحديث فجأة:

- أتعرفون أيها السادة, الشاب محق. والقضية جدية جداً ولا تحتمل اللعب بلعبة العدالة. لا أحد منا يشك أن كل هذا من صنع شتيرنر, وأننا نتعامل مع مجرم غير عادي. وهذا يعني أنه يجب اتخاذ إجراءات غير عادية ضده. هذا ما تتطلبه حماية الدولة والمواطنين. إذا أبطأنا في التعامل مع شتيرنر, فأنا غير متأكد أنه لن يجبرني على تقبـيله وتقديم سيجارة لـه عوضاً عن خطاب الاتهام أثناء جلسة محاكمته. عندما يكون مصير البلد على كف عفريت, والأمر هو كذلك, فإنه إجرام مباشر من ناحيتنا قيامنا بالمخاطرة. ومن المحتمل أن يفلت العدو من أيدينا باسم مراعاة الشكليات. ثم … إحم … نحن نتحدث فيما بيننا … ألا يمكن أن يقـتل شـتيرنر أثناء محاولته الهرب؟ مهما أدانوا هذه الطريقة, فإنها من حيث الجوهر لا تنطوي على الخداع. فأي مجرم لا يرغب في تجنب القصاص, ولا ينتهز أي فرصة للهرب؟ وبهذا الشكل سنتخلص من العدو بضربة واحدة.

استجاب رئيس الشرطة:

- صحيح تماماً! لا قانون مع من يدوس قوانين المجتمع والدولة.

سأل كرانتس:

- هل تصوب بدقة يا غوتليب؟

- الطلقة تصيب الطلقة بالنسبة لكل الحشوات.

قال رئيس الشرطة:

- إذاً, أتمنى لك التوفيق!

نوقشت خطة الهجوم قبل حلول الصباح, وتقرر أن يذهب أربعة فقط: رودولف غوتليب وكرانتس واثنان من عملاء الشرطة موثوق بهما. وأُخِذ هؤلاء الاثنان بمثابة احتياط.

قال كرانتس:

- يكون أفضل كلما كان أقل.

حضرت الفصيلة في الساعة التاسعة صباحاً مسلحة بالبارابـيلومات ومزودة بتعليمات دقيقة.

قال رئيس الشرطة مرة ثانية:

- أتمنى لكم التوفيق!

تسللت الفصيلة إلى المصرف بسلام, وصعدت إلى الطابق الثاني, وتوجهت إلى غرفة المكتب بقيادة رودولف. واجهت الخدم بهدوء, لكنها أمرتهم بالوقوف في مكانهم بنبرة سلطوية.

كانت غرفة المكتب فارغة. وقف أحد العملاء أمام باب المدخل, والثاني أمام الباب المجاور لغرفة شتيرنر, أما رودولف فقد فتح برفقة كرانتس باب غرفة شتيرنر السرية, وعاينها معاينة سطحية. كانت الغرفة خالية تقريباً من الأثاث. شكَّل التخت مع المنضدة والخزانة الصغيرة وخوان الزينة كل الأثاث. كان نصف الغرفة مفصولاً بحاجز ضخم لحد ما مصنوع من خشب البلوط. جلس شتيرنر خلف خوان الزينة, وحلق ذقنه أمام المرآة. لزم لكل هذه المعاينة ما لا يزيد على عدة دقائق. لم يلحق شتيرنر أن يدير رأسه استجابة للضجيج الصادر عن الباب المفتوح, حتى انقض كلباه على رودولف قبل أن يتمكن من سحب مسدسه. في الوقت ذاته شاهد شتيرنر, الجالس وظهره باتجاه الباب, رودولف في الصورة المنعكسة على المرآة فقفز عن الكرسي, وصار أمام الحاجز بقفزتين, ففتح الباب واختفى وراءه. اندفع رودولف وكرانتس نحو الحاجز, وأخذا يقرعانه وهما يصدان الكلاب, فقد أُعطيا تعليمات بإطلاق النار على شتيرنر فقط, كي لا يثيرا ضجة قبل الأوان.

صرخ غوتليب:

- افتح يا شتيرنر, افتح, لماذا خفت؟

فتح الباب للوراء بطريقة مفاجئة بحيث تعثر رودولف الذي كان يستند إليه.

قال شتيرنر بهدوء:

- انتبهوا, لا تقعوا. توقف يا فالك! توقف يا بـيتش!

رقد الكلبان باستسلام ووضعا خطميهما على القوائم الممدودة, لكنهما استمرا بملاحقة الزائرين بعيونهما بانتباه.

قال شتيرنر بعد أن جلس مجدداً وراء خوان الزينة:

- أنا في خدمتك يا سيد رودولف غوتليب.

وضع رودولف غوتليب المسدس على هذا الخوان ذاته, وأمسك الفرشاة وأخذ يصوبن رقبة ووجنتي شتيرنر, ثم أمسك رودولف الموسى وبدأ يحلق بها. أرجع شتيرنر رأسه للوراء, فحلق رودولف نحره بحذر وانـتباه.

- تضايقـني قليلاً يا غوتليب … اشحذ الموسى!

مرر رودولف الموسى على السير ثم تابع الحلاقة, فيما وقف كرانتس قربهما كما لو كان حارساً.

- أشكرك يا غوتليب. أنت تحلق حلاقة رائعة. لديك عبقرية, وأنصحك ألا تدفنها في الأرض. افتح صالون حلاقة.

وتحدث شتيرنر إلى كرانتس مستفهماً:

- وأنت؟

- كرانتس! يوهان كرانتس! أنا في خدمتك!

تنشط كرانتس فجأة وألقى المسدس, ثم خطف فرشاة الثياب وبدأ ينظف ثوب شتيرنر.

- أشكركما, هاكما أجرة العمل.

وأعطى شتيرنر كل واحد قطعة نقدية صغيرة, فانحنيا بمهانة وتوجها نحو الباب.

وبعد أن خرجوا من المبنى تفرقوا جميعهم وذهبوا في اتجاهات مختلفة.

فَقِد أثر العميلين.

حضر كرانتس إلى السجن وطلب أن يسجنوه في غرفة منفردة. أخذ مدير السجن الأمر على محمل المزاح, لكن كرانتس احمر كله من الغضب وخبط الأرض بقدميه.

- معي تعليمات من الوزير ذاته بإلقاء القبض على جميع من أجد القبض عليه ضرورياً, وأرجو عدم المناقشة. أنت لا تجرؤ على عدم الثقة بكلام موظف رسمي!

هز مدير السجن كتفيه, وأعطى أمراً فأخذوا كرانتس وحبسوه. واستفهم مدير السجن هاتفياً, لكنه حصل على جواب أنه لم يُعطِ أَحدٌ أمراً باعتقال كرانتس, وإنما بالعكس فإنهم ينتظرونه بلهفة في اللجنة. ومع ذلك فقد رفض كرانتس الخروج من السجن قطعياً, وصرخ مهدداً:

- إذا حاولتم إخراجي بالقوة فسأطلق النار! لقد حبسني كرانتس ذاته. وكرانتس ذاته فقط هو من يخرجني.

لوح مدير السجن بـيده:

- لقد فقد عقله أو ثمِلَ.

وبما أن كرانتس لم يفارق السلاح إطلاقاً فقد كان من الخطر استخدام القوة معه.

- فليأخذه الشيطان! دعوه يبقى.

وقبع كرانتس يراقب الحراس في الممشى من ثقب الباب, ثم صرخ على الحارس:

- هل بصرك سيئ؟ وهل يمكن التوقف طويلاً في طرف واحد؟ ألا تعرف الواجب؟ تعال إلى هنا وتأكد من القفل كي لا أهرب.

من الواضح أن كرانتس استثناء من القاعدة التي تحدث عنها النائب العام, إذ لم يبد كرانتس أي محاولة للهرب.

ومن بـين جميع المشاركين في الهجوم الفاشل عاد رودولف غوتليب وحده فقط إلى اللجنة, لكن كان من الصعب الحصول منه على شيء, فقد كان مذهولاً ومكفهراً. وأجاب على جميع الأسئلة التي طرحها عليه أعضاء اللجنة بنفاد صبر إجابات سخيفة.

- حلق!

- من حلق؟ عن ماذا تتحدث؟

- حلقت لشتيرنر.

تبادل أعضاء اللجنة النظرات في حيرة.

سأل الوزير رئيس الشرطة بصوت خافت:

- من المحتمل أن هذا كلام مجازي, لغة للمجرمين تعني القتل؟

أجابه رئيس الشرطة:

- لم يسبق أن سمعت هذه العبارة.

- تكلم كلاماً مفهوماً. هل شتيرنر حي أم ميت؟

طاف رودولف على الجميع بنظرة متكدرة, ثم أجاب بحرقة بعد أن ابتسم:

- حي أكثر منا! حلقت لـه حلاقة ناعمة. ينبغي أن أفتح صالون حلاقة.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:03 pm






7 - "تريلبـي"





- وأخيراً يا لودفيغ!

استقبلت إلزا شتيرنر بالكلمات المعهودة ومدت يديها:

- لقد نسيتني تماماً!

وقفا في الحديقة الشتوية يحدقان أحدهما بالآخر كما يحدث بعد فراق طويل. إنهما في حقيقة الأمر لم يتقابلا منذ شهر تقريباً. وخلال هذه الفترة تغير كلاهما إلى حد ما. أصبح وجه شتيرنر أكثر نحفاً بطريقة ما, غارت عيناه وأصبحت نظرته قلقة, كما أخذت التبدلات الحادة في مزاجه تظهر على نحو أكثر تكراراً. نحلت إلزا نحولاً أبرز عظما الترقوة, واستطال إهليلج وجهها, لكن نظرتها صارت جامدة وأكثر حزناً, وأصبحت حركاتها ذابلة وآلية. وتغيرت تغيراً أكبر في داخلها أيضاً. بدا كأن شخصيتها بدأت تتحلل تحت تأثير حياتها النفسية غير الطبـيعية التي عاشتها. فكرت تفكيراً متقطعاً وهي تنتقل انتقالاً مفاجئاً ودون رابط من فكرة إلى أخرى. تحطم مزاجها تحطماً مفاجئاً كذلك, وتحولت تحولاً أكثر فأكثر من شخص حي إلى آلة, وانعكس هذا على طبـيعة لقاءاتها مع شتيرنر أيضاً. كان حديثهما إما أن يتوقف عند منتصف الكلمة, أو يلتهب بحيوية غير عادية ...

أجلس شتيرنر إلزا قربه وضم خده إلى وجنتها, فمررت يدها على خده الآخر.

- ناعم؟ رودولف غوتليب هو من حلق لي.

سألت إلزا متعجبة:

- غوتليب؟



- نعم, غوتليب. إنه يريد أن يفتح صالوناً للحلاقة, وهو يتدرب من خلال الحلاقة لأصدقائه.

وضحك شتيرنر ضحكة رنانة.

- أنا لا أفهم يا لودفيغ. هل أنت تمزح؟

- لا داعي للفهم. انسَيْ غوتليب.

حل الصمت.

- تغيرت كثيراً يا لودفيغ. أنت متعب ...

- ترهات!

- لماذا تعمل بتلك الكثرة؟ هل يعقل أنك في ورطة؟

نهض شتيرنر وأخذ يمشي بعصبـية.

- ورطة؟ بالعكس. كل شيء يسير سيراً رائعاً. لكنني تعبت ... نعم ... تعبت تعباً قاتلاً.

ثم تحدث بهدوء وقد أغمض عينيه نصف إغماضة:

- أتلهى ... أنت باردة تجاهي يا إلزا!

وصالب ذراعيه بعد أن فتح عينيه مجدداً, وأخذ ينظر بانتباه إلى عيني إلزا, فامتقعت فجأة تحت تأثير هذه النظرة, وأخذت تتنفس بصعوبة بفم نصف مفتوح. واندفعت نحو شتيرنر, كما لو أنها ثملة, مطلقة أنيناً ممدوداً, ثم أحاطت رأسه بـيديها, وأخذت تمطره بقبلاتها على عينيه وجبـينه ووجنتيه وهي تلهث. وفي آخر المطاف عضَّت شفتيه عضاً وصل حد الألم ونزف الدماء. وفجأة أبعدها شتيرنر.

- كفى! اذهبي إلى مكانك! اهدئي.

جلست إلزا على الأريكة بإذعان. ذهب انفعالها كذلك فجأة مثلما ابتدأ, تاركاً الإعياء فقط.

تمتم شتيرنر وهو يمشي بسرعة بـين النخلات:

- ليس هذا, ليس هذا ... اللعنة.

وسأل بعد أن هدأ:



- بماذا اشتغلت خلال الفترة الأخيرة يا إلزا؟

نطقت بخمول:

- فكرت بك ...

هز شتيرنر رأسه متخذاً مظهر الطبـيب الذي تصدق توقعاته.

- وماذا فعلت أيضاً؟

- لقد قرأت. وجدت في المكتبة الرواية القديمة "تريلبي" وأعدت قراءتها. هل قرأتها؟ سفينغالي ينِّوم تريلبي مغناطيسياً, فـتصبح ألعوبة في يديه. لقد أسفت لحال تريلبي. وفكرت: يا لهول أن تفقد إرادتك, وأن تعمل ما يأمرونك به, وأن تحب من يشيرون عليك به.

تجهم شتيرنر.

- وفكرت: كم هو حسن أن يحب أحدنا الآخر بحرية وأن نكون سعيدين.

- هل أنت سعيدة؟

قالت إلزا بخمول كما في السابق:

- نعم, أنا سعيدة. يا لـه من شخص رهيب, سفينغالي.

وفجأة قهقه شتيرنر قهقهة حادة.

- لماذا تضحك؟

- هكذا, لا شيء. تذكرت أمراً مضحكاً ... سفينغالي كلب.

ثم وجه نحوها مجدداً نظرة مركزة وقال:

- انسَيْ سفينغالي! وهكذا ما الذي قرأتِهِ؟

- لم أقرأ شيئاً.

- تهيأ لي أنك تحدثت عن رواية ما؟

- أنا لم أقرأ أي رواية.

- هل عزفت؟

- لم أعزف منذ فـترة طويلة.

- لنذهب كي تعزفي لي شيئاً ما, فأنا لم أسمع موسيقا منذ زمن بعيد ...



ذهبا إلى القاعة, فجلست إلزا وراء البـيانو وبدأت تعزف لحن "الربـيع" لغريغ. وقالت بصوت خافت وهي تعزف:

- هذا الشيء يذكرني بمينتون. الأمسيات الهادئة... والقمر الذي يبزغ من وراء البحر... رائحة الأزهار الأنبوبـية… كم كنا سعيدَيْنِ آنذاك, في الأيام الأولى!

- والآن هل أنت غير سعيدة؟

- نعم, لكن … أنا أراك قليلاً جداً. وأنت أصبحت عصبـياً ومتعباً جداً. لقد فكرت: لماذا هذه الثروة؟ وهل يلزم الكثير كي تكون سعيداً؟ وفكرت بالذهاب إلى هناك, إلى الشواطئ اللازوردية للعيش بـين الأزهار, وكي أثمل من الشمس والحب.

وفجأة ضحك شتيرنر مجدداً ضحكاً حاداً ورناناً.

- كي نقـتني بستاناً ونملك قطيع ماعز. فأكون أنا الراعي وأنت الراعية الحسناء. بول وفرجينيا … وعنزة بـيضاء محبوبة ذات جرس فضي معلق بشريطة سماوية. وأكاليل من الأزهار الحقلية النامية عند الساقية. حياة مسالمة رغيدة!.. لودفيغ شتيرنر في دور راع طيب لقطيع من الماعز! ها - ها - ها!.. من المحتمل أنك محقة يا إلزا. فالهموم المرتبطة بقطيع من ذوات الأربع أقل من الهموم المرتبطة بذوي القدمين. انسَيْ مينتون يا إلزا! ينبغي نسيان كل شيء والسير إلى الأمام. أعلى فأعلى. إلى هناك, إلى حيث النسور. وأعلى من ذلك ... كي نبلغ السحاب, فنسرق النار المقدسة من السماء أو ... نقع في الهاوية ونتحطم. اتركيها! لا تلعبي لعبة الحياة المسالمة الحلوة هذه. إلعبي شيئاً ما عاصفاً. اعزفي مقطوعة شوبان النارية "البولينيز" . اعزفي لليست. اعزفي عزفاً تتصدع فيه الملامس وتتقطع الأوتار.

أذعنت إلزا لكلماته, وعزفت بقوة تفوق قوتها مقطوعة "بوليشينيل"([1])) لرحمانينوف. وبدا كأن روح شتيرنر المتمردة قد سكنتها.



سار شتيرنر في القاعة بخطوات كبـيرة وهو يطقطق أصابعه بعصبـية.

- هكذا!.. هو هكذا!.. أن أحطم. أن أكسر!.. هذا ما أريده!.. أنا الوحيد في العالم, والعالم ملكي!.. الآن الوضع جيد ... يكفي يا إلزا ... ارتاحي!..

أرخت إلزا يديها وهي منهكة القوى وتتنفس بصعوبة. وقد فقدت وعيها تقريباً بسبب التوتر الخارق للطبـيعة. تأبط شتيرنر يدها وقادها إلى الحديقة الشتوية, ثم أجلسها.

- ارتاحي هنا. حتى جبـينك يتصبب عرقاً.

ثم مسح جبـينها بمنديل الأنف, وأصلح خصلات شعرها المتهدلة.

- ماذا تكتب إيما؟ هل استلمت منها رسالة منذ فترة طويلة؟

تنشطت إلزا قليلاً.

- نعم, نسيت أن أخبرك. استلمت منها بالأمس رسالة كبـيرة.

- كيف حال صحتها؟

- أفضل, لكن الأطباء يقولون إنه ينبغي أن تبقى في الجنوب مدة شهرين إضافيين. وطفلها سليم أيضاً.

- وهل لزمتها رسالة كبـيرة كي تخبرك عن هذا؟

- إنها تكتب كثيراً عن زوجها. وتشتكي أن خلق زاوير أخذ يسوء, فقد أصبح كئيباً سريع الغضب. ولم يعد يعيرها ذلك الانتباه. وإيما تخاف أن يبدأ حبه لها بالبرود ...

استمع شتيرنر إلى خبر إلزا هذا بفضول قلق. وبدا وكأن حب زاوير لإيما يهمه أكثر من حب إلزا لـه شخصياً. استغرق شتيرنر في التفكير وعبس, ثم همس بصوت خافت:

- غير معقول!.. هل يعقل أنني أخطأت في حساباتي؟ المسافة ضخمة ... لكن هذه خطيئة ... كلا! غير ممكن!.. يجب التأكد ...

وفجأة نهض بسرعة دون أن يعير إلزا أي انتباه, وخرج مستعجلاً من الحديقة الشتوية دون أن يودعها.

- لودفيغ, إلى أين أنت ذاهب؟ لودفيغ! لودفيغ!

تلاشت الخطوات المبتعدة في الصالة الكبـيرة.

أرخت إلزا رأسها ونظرت إلى الأسماك السابحة في الحوض وهي مستغرقة في التفكير. تحركت الأسماك دون صوت في المكعب الزجاجي الأخضر وهي تلوح بأذيالها الطرية وتفـتح أفواهها. وعامت على السطح فقاعات صغيرة تلمع مثل قطرات الزئبق.

- وحيدة من جديد!..

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:06 pm





8 - منطقة الذعر





زار النائب العام بشخصه كرانتس في سجنه الذي أراده لنفسه. وقد رغب في معرفة تفاصيل الهجوم الفاشل على شتيرنر. بدأ النائب العام الحديث مستعطفاً:

- اسمع يا كرانتس: لقد كنت دائماً موظفاً مثالياً. قل لي ما الذي حدث عند شتيرنر, ولماذا أخضعت نفسك للسجن الانفرادي.

وقف كرانتس منتصباً وقد تهيأ, لكنه لم يتأثر بالموعظة.

- أنا مجرم ولهذا أنا أسجن نفسي. ولا أستطيع الكلام عن فحوى جريمتي. من حقي رفض الإدلاء بشهادتي. يمكنكم محاكمتي!

- لكن كيف سنحاكمك إذا كنا لا نعرف ما هي جريمتك؟

- وما علاقتي بالأمر؟ سأبقى في السجن الاحتياطي إلى أن تعرفوا. إذا قال كرانتس "لا" فهذا يعني "لا". القضية منتهية ولن نتحدث. لكني أنا السجين, أملك شكوى ضد نظام السجن.

سأل النائب العام مهتماً:

- وما الأمر يا كرانتس؟

- فظاعة! قدموا على الغداء حساء البورش. غرفت بالملعقة فالتقطت قطعة من اللحم تزن نحو مئتي غرام, وعلى سطح البورش طبقة من الدهن. إذا بدؤوا في السجون يطعمون بمثل هذا البورش, فإن الناس الشرفاء أيضاً سيصبحون قطاع طرق. اختلال في النظام. وأعلن لكم أيها السيد النائب العام إعلاناً قطعياً أنني سأبدأ إضراباً عن الطعام إن لم تتردَّ نوعيته, وليكن هذا بعلمكم! أو كما يحدث هنا, على سبـيل المثال: يرافق الخفراء المجرمين من الزنزانات المنفردة إلى المرحاض الموجود في نهاية الممشى عوضاً عن وضع وعاء. هل هذا نظام؟ من المحتمل أنهم يتقاعسون عن إخراج الأوعية, فأرغب أنا في الهروب بسبب هذا ويردونني عند محاولتي الهرب ... لذلك ... أرجو اتخاذ الإجراءات من أجل التنفيذ المنتظم للائحة النظام الداخلي في السجن!

فتح النائب العام فمه أيضاً من التعجب.

الحقيقة أنه لم يتعجب من قطعة اللحم التي تزن مئتي غرام ومن الدهن في حساء البورش, فقد عرف النائب العام جيداً أن السجناء الآخرين لا ينتشلون قطع اللحم من الحساء السائل النتن. لكن من طلب تخفيض نوعية الطعام! إذ لم يحصل سابقاً أن سمع النائب العام مثل تلك الطلبات.

فكر النائب العام: "المسكين , لقد فقدَ عقله تماماً بعد زيارته لشتيرنر"

ثم قال تحدوه الرغبة أن يكون ليناً قدر المستطاع:

- أرجوك رجاء حاراً يا كرانتس أن تحدثني عن كل شيء بوصفي الرفيق الأكبر. فنحن عملنا طويلاً جداً معاً. أعطني إفادة ما على الأقل.

- أعطيك إفادة؟ أ هذا ما تريده؟ إذا قام المجرمون بتقديم الإفادات, فما الذي سيبقى لنا لنعمله نحن رجال التحري؟ هل سنجول في العالم؟ تريد أن تبقينا عاطلين عن العمل؟ كلا, لن أقوم بأي سفالة ضد رفاقي. دعهم يكشفون جريمتي ليحصلوا على الجائزة!

صُعق النائب العام بهذا المنطق المفاجئ, وتكدر بسبب الفشل. لاحظ كرانتس هذا وبدا أنه أصبح يشفق على النائب العام, فنقب في جيوبه واستخرج من هناك قطعة نقدية فضية صغيرة, وناولها للنائب العام كما يناول الشحاذ.

- هذا كل ما يمكنني تقديمه إليك!

مد النائب العام يده على نحو آلي وأخذ القطعة النقدية, ثم نظر إليها بارتباك.

- ضمها إلى الأدلة المادية. نقود محصلة بطريقة إجرامية ...

كانت هذه قطعة النقود التي استلمها كرانتس من شتيرنر "حلواناً".

ابتعد النائب العام بصمت وهو يدوِّر بـين أصابعه الدليل المادي وفكر: "يا لـه من عامل قيِّم فقدناه! وكله بسبب شتيرنر! هل يعقل أننا لن نتمكن من القضاء عليه؟".

لوَّح النائب العام بـيده فقط, واسترخى على المقعد بقنوط عندما سأله أعضاء اللجنة الذين انتظروه بفارغ الصبر عن نتيجة زيارته لكرانتس.

سأل وزير الداخلية:

- ما العمل؟ هل يعقل أن شتيرنر لا يقهر؟

نهض قائد المنطقة العسكرية الذي دعي "الجنرال الحديدي", وهو عجوز ناحل نشيط ذو شاربين كثين مثل شوارب العرفاء, وأخذ يتحدث فجأة بصوت جهوري وشاب لعمره:

- ما العمل؟ أنا سأقول لكم ما العمل. سنعلن حرباً حقيقية على شتيرنر. اعذرني, أنا العجوز, أيها السيد الوزير. لكن لا بد أن أعصابكم أنتم المدنيـين ضعيفة جداً. أرسلتم زوجاً من الشرطة فأضاعوا القضية, وها أنتم أولاء تتحدثون عن مناعة أحد الأنذال, الذي لم يكد يشم رائحة البارود بعد.

بدأ "الجنرال الحديدي" يصرخ, كما لو أنه قد قاد جيشاً مليونياً في ساحة المعركة:

- هاكم ما ينبغي عمله. أعلنوا حالة الحصار في المدينة. طوقوا مبنى إلزا غليوك بحلقة متراصة من أرتال الجنود, وقوموا بالانقضاض عليه, نعم بالانقضاض. وانقلوا المدفعية تحسباً لكل طارئ. وإذا لم يفلح هجوم المشاة لسبب ما, وهذا ما لا أفترض حصوله, فسنمحو المبنى كله عن وجه الأرض. لم يسبق لأحد أن نجح في تضليل الشظايا والقنابل. هاكم ما ينبغي أن نعمله, لا أن نصاب بالذعر!

أدخل خطاب "الجنرال الحديدي" الحماسي دفقاً من النشاط والحيوية.

تعالت أصوات منفصلة ضد مشروع الجنرال, لكن معارضتها لم تكن ضد جوهر المشروع ذاته.

- يمكن أن تتضرر المباني المجاورة ...

- ما هو ذنب الذين يعيشون مع شتيرنر, زوجته على الأقل ...

أجاب الجنرال:

- لقد قلت إن الأمر لن يصل إلى القصف بالقنابل على الأرجح, لكن لو حصل ذلك, فإنه لا توجد حرب من دون ضحايا. ومن الأفضل أن يموت عدة مئات من الأشخاص بدلاً من الدولة كلها.

- ألا ينبغي تحذير المواطنين على الأقل وترحيلهم؟

- لا يجوز! تحذيرهم يعني تحذير العدو. من الأفضل ألا نؤجل هذه القضية. اليوم مساء إذا حصلت على موافقتكم, أنا سأقود عساكري القناصة, وسنرى ما الذي سيفعله هذا الذي لا يقهر!

قال وزير الحربـية:

- لكن فقط من دون نيران المدفعية!

- لماذا؟

- لأنها يمكن أن تدمر ليس شتيرنر فقط, وإنما سلاحه أيضاً. وهو ... يمكن أن يفيدنا نحن أيضاً.

وافق الجميع على ذلك.

عرض "الجنرال الحديدي" خطته أمام اجتماع الأركان المنعقد في ضواحي المدينة:

- أمامنا مهمة ليست سهلة, فنحن مقيدون بتوجيهات الحكومة بألا نستعين بنـيران المدفعية. ولدي أمر باعتقال شتيرنر حياً, وقتله إذا كان ذلك غير ممكن, لكن مع المحافظة على حصانة المبنى بكل ما يوجد فيه من أدوات. نحن نتعامل مع عدو غير عادي, وعلينا أن نخوض الحرب في مركز المدينة, ومع ذلك فإن تكتيك حرب الشوارع يكاد لا يكون قابلاً للاستخدام هنا. فأي حرب شوارع هي هذه الحرب, عندما لا نستطيع تلمس العدو ومكامن ضعفه؟ وفيما لو تمكنّا من النفاذ بسلامة إلى المبنى فإننا هناك فقط سوف نصطدم بشتيرنر, وسيكون هذا ... إحم... هذا سيكون "حرب منازل". وأول شيء ينبغي أن نهتم به هو إزالة أي إمكانية لهروب شتيرنر. ثم, نحن نعرف أن شتيرنر يصدر أشعة, أو يوجهها ضمن قطاع معروف, أو يسيطر بوساطتها على محيط محدد. زد على ذلك, أن أشعته وسندعوها سلاحه, لا تؤثر على الجميع التأثير ذاته, كما هو مرئي. كل هذا يجبرنا على توزيع قوانا على جميع منطقة المعركة, ويرغمنا على امتلاك احتياطي. فليتحرك المشاة في الشوارع إلى مكان المعركة بشكل كتلة متراصة. فإذا أصيبت الصفوف الأولى, ولنقل إنها اندفعت إلى الوراء مذعورة, فإن الصفوف الخلفية ينبغي أن تشدد الهجوم, وأن تحوِّل بالقوة المفارز الطليعية إلى الأمام. وهكذا, من المحتمل أن نتمكن من الوصول إلى مبنى شتيرنر ذاته. ومن يعلم, فمن الجائز أننا بهذه الطريقة قد نجدهم في "المنطقة الميتة", خارج "نطاق الرمي" كما هو الحال في معارك ‎المدفعية. أنا سأرافق المفرزة الطليعية.

قال الياور كورف:

- هذا سيكون تهوراً شديداً من جانبكم, يا صاحب السعادة.

أجابه الجنرال بحدة كبـيرة:

- أيها السيد العقيد, اسمح لي شخصياً بأن أحدد موقعي في ساح الوغى. وأشدد من أجل الوضع الحالي.

أمسك الياور عن الجواب وهو الذي اعتاد على فظاظات الجنرال, واكتفى بأن احمر بكثافة.

تابع الجنرال:

- أنا شخصياً أعرف أن هذه مخاطرة. لكن كل حرب هي مخاطرة وليست لعبة دومينو. وكي أقود المعركة يجب أن أعرف سلاح العدو. يجب أن أجرب على نفسي تأثير "النار" المعادية, كي أتأكد هل هي مميتة بالنسبة للمقاتل الصلب, مثلما هي بالنسبة للخامل الضعيف الأعصاب.

حل الصمت. ووقف ضباط الأركان متجهمين. قطع الياور هذا الصمت الثقيل. كان يعرف أن النقاش مع الجنرال العنيد غير ممكن. مخطط الهجوم هذا كله, لم يعجب الياور. هجوم "برفقة جنرال على حصان أبـيض في المقدمة" يذكر باللوحات الزيتية المبتذلة القديمة. لكن لم يكن باليد حيلة. بقي التفكير بالنتائج فقط.

في الساعة الثانية عشرة ليلاً تحركت فصائل الجنود بعتادها الحربي الكامل من مختلف أقسام المدينة متجهة إلى شارع المصرف وساحة البورصة. وذهب مع مفرزة الطليعة "الجنرال الحديدي" ذاته ممتطياً حصاناً عربـياً رائعاً ذا لون ذهبي.

- كل الجيش ضد واحد, والأنكى من ذلك أنه مدني!.. هذا عار, لكن فليأخذه الشيطان, وجود هذا العار أفضل من هلاك البلد!

عبر الجنرال الشارع الملاصق لساحة البورصة. كان مبنى إلزا غليوك يطل على هذه الساحة بجانب واحد, وعلى شارع المصرف بالجانب الآخر.

قال الجنرال وهو يحدق بانتباه إلى مبنى إلزا غليوك الظاهر ويهمز الحصان:





- سنرى ما الذي سيغنّيه لنا!

نقل الحصان العربي الأصيل قوائمه الدقيقة نقلاً جميلاً ومضى إلى الساحة, لكنه شخر فجأة دون سبب ظاهر وضم أذنيه ثم ارتد بجسمه فوراً إلى الوراء وجسده يرتجف كله. ارتبك الجنرال. فما الذي أخاف آبريك وهو الذي لم يخفه حتى هدير المدافع؟ ربت الجنرال على رقبة الحصان ثم قال وهو يهمزه:

- ما لك يا آبريك. هل تتغابى؟

في هذه المرة, ما إن وطئ آبريك الساحة حتى شب واستدار على قائمتيه الخلفيتين واندفع إلى الوراء. وأحس الجنرال ببرودة الرعب تسري في كل ظهره في تلك اللحظة التي استدار فيها الحصان وتجاوزت فيها قائمتاه الخلفيتان لبرهة العلامة الفاصلة بـين الشارع والساحة. ووقف آبريك على بعد عدة عشرات من الأمتار عن الساحة.

تمتم الجنرال:

- يا لها من شيطنة؟

وفجأة تملكته تلك الثورة من الغضب والغيظ التي كانت تنتابه في أكثر الدقائق خطورة. أدار الجنرال الحصان نحو الساحة وغرز المهاميز بكل قوته في جنبـيه. لف آبريك رأسه وهو الذي لم يعتد على تلك المعاملة القاسية, وضم أذنيه وانطلق نحو الأمام برمَح كامل السرعة, ثم عدا إلى داخل الساحة بتسارع, وهنا شخر شخيراً مخيفاً, وقام بتلك القفزة الجانبـية بحيث سقط الجنرال عن الحصان مثل المقطوع, وهو أفضل فارس في كل الجيش, لكن بدا أنه لم يلحظ حتى ذلك, فقد كان وعيه وأعصابه وكل كيانه مهزوزين برعب غير طبـيعي وخارق للطبـيعة مثلما كان لدى الحصان. ولم يعد إلى وعيه إلا في الطريق, الذي سحبه إليه آبريك وهو يجره من قدمه المشتبكة بالركاب فقط. وكانت فصائل المشاة قد اقتربت من هذا المكان.

فكر الجنرال: "شاهدوني!.. يا لـه من عار!.."

ثم نهض ونفض عنه الوسخ, وقال للياور الذي اقترب وهو يكظم ارتباكه:

- لا بأس ... لا تقلقوا, ترهات! آبريك اللعين الذي خاف من شيء ما عمل ذلك الملعوب, بحيث أن الشيطان ذاته ما كان سيثبت في جلسته.



لم يتحدث الجنرال عن ذلك الذعر المرعب الذي عاناه شخصياً, كي "لا يخفض الروح القتالية", وكي لا يفتضح افتضاحاً أكبر أيضاً أمام الضباط والجنود.

- هل احتشدت كل القطعات؟

- الجميع في أماكنهم. الأحياء المؤدية إلى الساحة مشغولة وكذلك أفنية المرور ...

- وشارع المصرف؟

- المدخل المؤدي إلى هذا الشارع محتل أيضاً.

- حسناً! انتظروا الإشارة!

تحركت العساكر للانقضاض عندما مالت أقواس الصواريخ المضيئة فوق مبنى غليوك بناء على أمر الجنرال. وهنا حصل شيء غير متوقع.

لم يحدث أن رأى الجنرال مثل ذلك الذعر خلال حياته القتالية الطويلة كلها. وقف الجنرال على عتبة السيارة غير بعيد عن الساحة, وصرخ بصوته الجهوري:

- إلى الأمام! إلى الأمام! سأطلق النار!..

لكن لم يسمعه أحد. وحدث مع الجنود شيء ما غير عادي. تحركوا مسرعين برعب مميت وهم يرمون بنادقهم ويدعس أحدهم الآخر. عم الأنين والصراخ الساحة. شددت الصفوف الخلفية الهجوم, في حين اندفع الداخلون إلى الساحة نحو الوراء ... أعطى الجنرال أمراً بمطاردة الهاربـين. دفعت صفوف الجنود المتراصة التي تسد الطريق طوابـير المقدمة إلى الساحة التي تحولت إلى جحيم يرغي, لكنها امتلأت شيئاً فشيئاً.

وفجأة تدفقت موجة ما جديدة ذات محيط تأثير أكبر, فشمل الذعر العساكر الذين يسيرون في الطريق. أغارت هذه الأمواج مثل نفس جليدي للموت, وتدحرجت عبر الصفوف فتحولت طوابـير العساكر المنتظمة إلى قطيع متوحش من الحيوانات التي جنت. انقض الجنود بعضهم على بعض, فالتجؤوا إلى مداخل وبوابات المباني, ولاقاهم من هناك مواطنون راكضون في ذعر مرعب. ملأ الذعر المنازل أيضاً, فاختبأ الناس تحت الأسرة, وتسللوا إلى الخزانات. ورمى بعضهم نفسه من النوافذ على رؤوس الجنود وحرابهم. أمسكت النساء الأطفال وهنَّ يطلقن زعيقاً وحشياً, وهرعن عبر الغرف كما لو أن اللهب قد أحاط بالمبنى كله. جاشت تدفقات الناس الذين فقدوا عقولهم عبر المماشي وأدراج المباني: بعضهم ركض نحو الأعلى, وبعضهم نحو الأسفل. تزلجوا على الأدراج, وداسوا النسوة والأطفال الذين وقعوا. وأكثر الأشياء هولاً كان أن أحداً لم يعرف سبب الذعر, وأن أحداً لم يعرف ممن ينبغي الهروب. لكن تدريجياً تشكلت حركة في اتجاه واحد ضمن هذا السيل المتدفق الفوضوي, ربما لأن جنود الصفوف الخلفية الذين لم تصلهم موجة الذعر بعد , قد أخذوا يركضون إلى الوراء بعد أن شاهدوا منظر الهيجان العام, فكان أن جرّوا الآخرين خلفهم. تزايد نمو دفق الحركة المعاكسة هذا, وبدا كأن الناس قد وجدوا طريق النجاة, فأخذوا جميعهم يركضون في اتجاه واحد بتلك السرعة الجنونية, كما لو أن آلاف الرشاشات قد تعقبتهم.

وبعد أن ركض ثلاثة شوارع شاهد الياور "جنراله الحديدي", وهو الشخص الذي لم يعرف الخوف. كان الجنرال دون خوذة, يرتدي سترة رسمية ممزقة. عيناه مخبولتان, وهو يثب فوق صدور الأجساد المرتمية, ويشق طريقه بقبضتين ضخمتين.

تزايد اتساع "منطقة الذعر الواقية", كما دعيت لاحقاً هذه الظاهرة, وشملت أيضاً المبنى الذي اجتمعت فيه لجنة الإنقاذ الاجتماعي, فهرب أعضاء اللجنة وكل الحكومة.

لم يهدأ الذعر إلا عند الصباح, لكن اللجنة لم تتجاسر على العودة إلى المدينة.

فُقِدت العاصمة وتبقى إنقاذ البلاد, لكن لم يؤمن بذلك أحد تقريباً. وعندما بحث أعضاء اللجنة بعضهم عن بعض, عُقِد مجلس حربي في الضيعة المجاورة.

كان "الجنرال الحديدي" منسحقاً تماماً بسبب الفشل وعانى يأساً كاملاً. قال:

- الحراب عاجزة أمام الشيطان.

وخفض رأسه بقنوط.

انتصر شتيرنر. كان يستطيع التصرف بالبلاد وفق رغبته متفوقاً على أي طاغية في العالم.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:09 pm







9 - "مساعدة رفاقية"





تابعت الدول الأجنبـية باهتمام نتيجة صراع الحكومة الألمانية مع شتيرنر. لم يخف المصرفيون الفرنسيون والإنكليز غبطتهم عندما حمل البرق والراديو خبر إفلاس وهلاك أكبر المصرفيين الألمان, منافسيهم في السوق المالية العالمية.

قال المصرفيون الأجانب وهم يحصون أرباحهم المستقبلية:

- ممتاز! شتيرنر حاذق!

لقد رأوا في شتيرنر رجل مال محظوظاً إلى حد غير عادي. لكنهم كانوا واثقين أنه سيسقط في نهاية المطاف, كما سقط في وقت ما اتحاد ستينيس الاحتكاري الذي نما مثلما تنمو كائنات الخميرة.

نما جبروت شتيرنر متجاوزاً كل التوقعات وكل مقياس. ولم يعرف تاريخ الرأسمالية صعوداً سريعاً وخارقاً مثل ذلك الصعود الذي صاحب هذا النابليون المالي. لقد اتقدت فوقه "شمس أوستيرليتس" أكثر فأكثر, لكن لم تكن هناك علائم تدل على "واترلو" التي اقتربت.

أخذت تتسرب أكثر فأكثر, وأقوى فأقوى شائعات عن أن نجاح شتيرنر يعود إلى أسباب ما غير عادية, وأن في حوزته وسيلة ما سرية للتأثير على الأشخاص, الذين يجردهم من إرادتهم ويخضعهم لنفوذه, فيجعل منهم ألعوبة بـين يديه.

وعندما سار شتيرنر على طريق الصراع مع الحكومة, بدأ يتقلقل بتوجس ليس المصرفيون الأجانب فقط وإنما رجالات الحكومات.





أحدثت هزيمة "الجنرال الحديدي" وهروب الحكومة انطباعاً صاعقاً في كل العالم الدبلوماسي.

واحد ضد الجميع! واحد ضد الدولة! دون جيش ومدافع ودون طلقة واحدة, وقد خرج منتصراً من الصراع !..

لم تعد الدول الأجنبـية تقبل البقاء متفرجة سلبـية فترة أطول, وتوجب عليها تحديد موقفها من المغتصب.

حجبت مسألة شتيرنر في فرنسا مؤقتاً مسائل السياسة الداخلية والحروب الاستعمارية أيضاً. وقد خصصت لأحداث ألمانيا اجتماعات خاصة مغلقة لمجلس الوزراء ومجلس النواب, وارتدت هذه الاجتماعات طابعاً عاصفاً. وفي آخر المطاف اتخذ قرار بأغلبـية الأصوات, وهو الاعتراف بضرورة المشاركة في الصراع ضد شتيرنر من حيث المبدأ, وعرض المساعدة على ألمانيا, لكن التحرك الفعّال سيكون فقط بعد أن تؤمِّن فرنسا نفسها ضد الجانب الإنكليزي.

تعاملت إنكلترا مع الأحداث في أوربا بهدوء أكبر, على الرغم من أنها راقبت بانتباه مجرى الصراع ضد شتيرنر. وأقر مجلس الوزراء الإنكليزي وحدة الرأي بسرعة نوعاً ما:

- لقد أضعفت الحرب الأوربـية ألمانيا بما فيه الكفاية, والانهيار اللاحق لألمانيا يمكن أن يخل بالتوازن الأوربي. ووفقاً لرأي مجلس الوزراء فإن شتيرنر لا يمثل خطراً مباشراً على الدول الأخرى في الوقت الحالي. ومن المحتمل أن حبه للسلطة لا يذهب بعيداً إلى ذلك الحد. فإذا ارتأوا رأياً آخر في فرنسا فهذا شأنهم, لكنه لا يجوز السماح لفرنسا أن تنفرد بتدخلها في قضايا ألمانيا الداخلية, حتى لو كان ذلك بموافقة الأخيرة. إضافة إلى ذلك, وعلى الرغم من أن شتيرنر مغتصب للسلطة, لكن كما يبدو فإنه مدير اقتصادي غير رديء. ينبغي النظر إليه كيف يدبر الأمور. والنتيجة المستخلصة من كل هذا هي: ينبغي أن نـقترح على فرنسا التريث في تدخلها, فإذا أظهر شتيرنر نية للتدخل في شؤون الدول الأجنبـية أو مس مصالحها, عندئذ يتم التدخل شراكة مع فرنسا.



استدعى هذا الجواب المبلغ لفرنسا السخط بـين العسكريين الذين نادوا بكرامة الأمة, وقالوا وهم يطالبون بالتدخل الفوري من أجل البرهنة على استقلال السياسة الفرنسية على الأقل فقط:

- لا يجوز أن نسير دائماً وراء حجج إنكلترا!

ومع ذلك فقد اعترضت عوائق ذات خواص دبلوماسية طريق التدخل المباشر. فالحكومة الألمانية لم تستعجل لأخذ يد المساعدة هذه, إذ إن مخاوفها من أن "المساعدة المخلصة" من جانب فرنسا ستكلفها غالياً جداً لم تكن دون أساس.

زد على ذلك أن الحكومة الألمانية لم تفقد الأمل بعد بالقضاء على شتيرنر بقواها الذاتية. فما زال "الجنرال الحديدي" يتمتع بهيبة كبـيرة في الدوائر العسكرية والوزارية, على الرغم من نتيجة المعركة الفاشلة, وهو معارض حازم للتدخل الأجنبي.

فقد قال:

- ما الذي سيعطيه لنا هذا التدخل غير الذل الجديد والضرائب الجديدة؟ لقد اقترحت على المجلس العسكري استخدام المدافع البعيدة المدى, كي نزيل الوكر الملعون عن وجه الأرض… لكنهم عارضوني بالقول من المحتمل أن يؤدي هذا إلى هلاك لا طائل منه لعدة آلاف من السكان المسالمين الأبرياء. مثل هذه العواطف مضرة! من الأفضل أن نعرض عدة آلاف للهلاك من أن نعرض كل الدولة!

قاطع وزير الحربـية خطاب "الجنرال الحديدي", وهو الذي حسد في نفسه شعبـيته:

- ليس هذا فقط يا صاحب السيادة. فالباعث الحاسم الذي أرغمنا على رفض استخدام نيران المدفعية كان التصور الذي قدمته أنا, بأننا عند تدمير مبنى غوتليب حتى أساساته بالمدفعية الثقيلة فإننا سندمر مع شتيرنر اختراعه أيضاً. وهو ... من المؤسف تدميره! لو تمكنا من امتلاك سلاح شتيرنر, أوهو!

حتى إن الوزير قد أغلق عينيه على نحو حالم.

- لكان بإمكاننا تصفية حسابنا مع فرنسا, ولكان بإمكاننا تدمير جميع أعدائنا. نحن ...

أجاب "الجنرال الحديدي" محتداً:

- أ كنا سنحكم العالم؟ توقفنا عند شيء صغير: الإمساك بشتيرنر حياً. أنا حاولت, فليجرب الآخرون!

وبعد مناقشات طويلة اتخذ قرار بمهاجمة شتيرنر بأسلحة ثقيلة بعيدة المدى.

لم يستطع "الجنرال الحديدي" إخفاء ابتهاجه عندما أطلق المدفع الضخم البعيد المدى من فوهته الرهيبة قذيفة يعادل طولها قامتين بشريتين, فشقت الهواء محدثة ضجيجاً هائلاً وهي تنطلق في اتجاه العاصمة. كانت هذه الضربة المدوية عذبة مثل سيمفونية بالنسبة إليه فقهقه:

- أوهو! إنها تطير! تفضل, أيها السيد شتيرنر. أجبر هذه الهدية على الحيدان عن طريقها. والآن نيران البطاريات! بسرعة قبل أن يثوب إلى رشده هناك, إذا لم يكن قد انتقل إلى السماء.

بدا كأن الأرض انهارت. لم يستطع الجنود الوقوف على أقدامهم من ارتجاج الهواء. وقف "الجنرال الحديدي" فقط ووجهه يشع مثل إله الحرب. بدا كأنه أصبح أكثر ارتفاعاً. وتجمعت التجاعيد حول عينيه في ضحكة مرحة وخبـيثة. ثم صرخ:

- نار!

لكن لم يسمعه أحد على الرغم من صوته الجهوري, فقد امتنعت طبلات الآذان المرتجة عن التقاط وقع الأصوات البشرية الضعيف.

لوح الجنرال بيده بفارغ الصبر مشيراً إلى الأسلحة.

انشغل الطاقم بالتحضير للطلقة التالية, لكن رجال المدفعية انحنوا فجأة ووقفوا دون حراك في أماكنهم, كما لو أنهم قد أنهكوا.

صرخ "الجنرال الحديدي":

- ماذا بكم؟ نار!

لم يتحرك الجنود.

هرع "الجنرال الحديدي" نحو واحد منهم وشده من كتفه, لكن كما لو أن الجندي لم يلحظ هذا.

أخذ "الجنرال الحديدي" يشتم محتداً ويخبط الأرض بقدميه. وجمَّدت وعيه فكرة أن شتيرنر حي, وأنه قد استخدم سلاحه الخفي.

تنشط رجال المدفعية كذلك دونما توقع, وأخذوا فجأة يديرون أسلحتهم المنتصبة على منصات دائرية إلى الجهة المعاكسة. لم يحصل سابقاً قط أنهم أنجزوا هذا بتلك الدقة والتلقائية والسرعة.

لم يكد الجنرال المصعوق يثوب إلى رشده حتى كانت المدافع قد أديرت, ودوَّت طلقة واحدة فثانية فثالثة ... لم يهدأ الإطلاق حتى استُنفد كل احتياطي القذائف, التي طارت الواحدة إثر الأخرى حاملة الموت إلى المدن المجاورة وإلى السكان المسالمين.

لم يعد "الجنرال الحديدي" يصرخ, ولم يقلق. لقد فهم كل شيء. فهم أن لا طائل من أوامره أمام هذه القوة المجهولة, التي كبَّلت إرادة الجنود. سحقه وعيه بالكارثة وصعقه. وشعر أنه مكبَّل بالقوة المجهولة هو ذاته. تهاوى على الأرض منهوك القوى, وخفض وجهه الممتقع إلى الأسفل, وعندما سكنت الطلقة الأخيرة وحلَّ الهدوء الرنان, سحب الجنرال المسدس من الجراب وصوبه إلى صدغه.

انتزع أحد ما المسدس من بـين يديه.

قال الياور:

- عيب, يا صاحب السيادة!

تابع الجنرال جلوسه, كما لو أنه لم يلحظ هذا أيضاً. ونظر ببلادة إلى الأرض. تقلَّب الجنود الساقطون حوله من شدة الإنهاك مثل الجثث.

حل المساء. وتحرك الهلال بـين سحب الغيوم عبر السماء التي لا تزال مضيئة, لكن الناس لم يشاهدوا الهلال ولم يسمعوا زقزقة الطيور في الغابة المجاورة. لقد كانوا أنصاف موتى.

الياور فقط كان لا يزال ناشطاً. حتى إنه وجد في نفسه القدرة كي يرسل برقية للحكومة عن نتيجة المعركة من محطة لاسلكية متنقلة, على الرغم من أنه كاد ألا يكون حاجة لذلك, فالقذائف المتساقطة على المدن والقرى أشاعت بنفسها خبر الكارثة.

قال الياور بصوت خافت:

- فظاعة ...

وجلس غير بعيد عن الجنرال على كرسي نقال, ودخن سيجارة وهو ينظر بشرود إلى السماء.

وفجأة استرعت انتباهه نقطة عند الأفق, كانت تارة تظهر وأخرى تختفي بـين الغيوم. وقد حددت عين الياور الخبـيرة سريعاً أنها طائرة محلقة, وأنها تطير على ما يبدو إلى برلين مباشرة. وتبعتها أخرى وثالثة. سرب كامل.

فكر الياور: "طائرات من تكون هذه؟ نحن لم نعط الأوامر لطيارينا … أمن المحتمل أن وزير الحربـية قد تصرف لدى علمه بنتيجة المعركة؟ لكن إرسال الناس إلى هلاك محتم بعد ذلك سيكون جنوناً ..."

ثم اقترب من الجنرال دون أن ينهي أفكاره ولمسه من كتفه بحذر.

- يا صاحب السيادة!

تذكر الجنرال فجأة:

- نعم, نعم ... انتهى كل شيء! لماذا انتزعت المسدس مني يا كورف؟ أعطني إياه. على كل حال أنا لن أجتاز حياً هذا العار.

- يطير نحو برلين سرب من الطائرات يا صاحب السيادة.

- سخافة ... هراء ... يتراءى لك.

- تفضل انظر!

كان هدير الطائرات قد سمع بوضوح وسط هدوء المساء.

أدار الجنرال رأسه بتعب:

- يا للشيطان! حقاً! يا للعبث! هذا ما كان ينقص أيضاً. استفسر بالراديو من يكونون؟

أرسل الياور برقية لاسلكية, لكن لم تجب أي طائرة.

بدأ الجنرال يشتم فقد تنشط.

فكر الياور مبتسماً: " وأخيراً عاد إلى رشده!"

شفي الجنرال بسرعة, وانتفض كله بطريقة ما كما لو أنهم أسالوا عليه دوشاً بارداً منعشاً.

- لديك عينان فتيتان يا كورف. لمن هذه الطائرات. هل تراها؟

كانت الطائرات قريبة جداً, لكنها طارت على علو شاهق, زد على ذلك أن العتمة حلت سريعاً بسبب السحب المتكاثفة. تهيأت عاصفة للحدوث فوق مكان الفرقة. واشتدت الريح فهزت الطائرات, لكن يبدو أنها قاومت الهواء مقاومة جيدة لأن يداً خبـيرة تقودها.

- من الصعب التمييز ...

- أنيروا الطائرات بالكشافات.

وبعد عدة دقائق غمرت أشعة الضوء الساطعة الطائرات, فتسلح الجنرال والياور بالمناظير.

قال الجنرال:

- إما أنه يتهيأ لي, أو ...

- لا يتهيأ لكم. أنا أرى بوضوح تام ... هذه طائرات أمريكية.

- الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ.

واسترخى الجنرال بتثاقل على الكرسي, ووضع المنظار على ركبتيه, ثم نظر إلى الطائرات المبتعدة وسأل الياور:

- هل تفهم ماذا يجري؟

تابع كورف النظر من خلال المنظار وهز كتفيه.

- إنها على ما يبدو تسلك الطريق إلى برلين ... هذا يعني أمريكا.

- لكن كيف؟ ولماذا؟

- يبدو أن الريح ستحرفهم جانباً إلى حد ما.

كان تدخل الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية في الصراع ضد شتيرنر غير متوقع, ليس فقط بالنسبة "للجنرال الحديدي" ولكن بالنسبة لكل أوروبا أيضاً.

فبـينما كانت مباحثات دبلوماسية تجري بـين الحكومات الأوربـية, اتخذ قرار سريع في واشنطن التي تابعت كل ما يجري بانتباه.

لم تستطع أمريكا البقاء دون مشاركة. فضلاً عن ذلك فإن عمل شتيرنر التخريبي خفض القدرة على الدفع لدى واحد من المدينين الأوربـيين. لقد حسبت واشنطن قبل وزير حربـية ألمانيا أيضاً كل تلك النتائج التي يمكن أن تحصل, إذا استطاعت الحكومة الألمانية بعد قضائها على شتيرنر ذاته الاستحواذ على أداة صراعه. وقد ثمَّنت أمريكا قبل الجميع قيمة هذه القوة الجبارة الجديدة. وإذا كان حصول أمريكا ذاتها على هذه القوة صعباً, فإنه ينبغي تدمير سلاح شتيرنر معه ذاته, كي لا يقع سره في أيد أخرى. ويكون أفضل كلما فُعِل ذلك أسرع. لكن كيف؟ لقد استحوذت التقنية الأمريكية لدرجة كبـيرة على قدرة التحكم بالطائرات لاسلكياً, فكانت تستطيع الطيران لمسافات كبـيرة دون طيارين, وفقاً للاتجاه المحدد في مكان الانطلاق, وإلقاء القذائف المتفجرة ذات القوة التدميرية الكبـيرة آلياً على مكان محدد مسبقاً. الشيء الوحيد الذي لم يكن قد انتهى بعد هو آلية الحصول على صورة كامل مسار الطيران من الطائرات المحلقة, كي يجري تتبع التحليق طوال الوقت وتصحيحه. لكن اعتبر تأجيل التدخل إلى حين الانتهاء من هذه الأعمال مخاطرة. وبدا أن دقة الآليات والخرائط الجغرافية الحربـية المنشأة بإتقان تستطيع تأمين النجاح ... وفهمت أمريكا باكراً أيضاً, أنه يمكن منازلة شتيرنر فقط بآليات مسيرة دون أشخاص ومن مسافة بعيدة عنه. الحقيقة أن المحيط الأطلسي والطريق الممتد عبر أوربا من الشاطئ الغربي لفرنسا كانا كبـيرين جداً. وكانت التيارات الهوائية على ذلك الامتداد الكبـير تستطيع تغيير التحليق الأصلي للطائرات, بغض النظر عن كل "المقومات" الآلية. لهذا كان من الضروري إرسالها في مسارها من أراضي فرنسا على أبعد تقدير. لكن كانت تلزم موافقتها على ذلك, تماماً مثلما كانت تلزم موافقة ألمانيا أيضاً على هذا الهجوم على برلين. لم يشكل الحصول من الدوائر الدبلوماسية الأوربـية على الجواب المطلوب صعوبة تذكر بالنسبة للدوائر الدبلوماسية الأمريكية.

وقد أُرسلت من الحكومة الأمريكية إلى فرنسا وألمانيا حول هذا الموضوع مذكرات مفعمة بالاحترام, مصوغة بأكثر أشكال المجاملة الدبلوماسية لباقة. وفي الوقت ذاته أرسلت مع المذكرات المحترمة تنبيهات قصيرة لكن قوية, حول السداد الفوري لدفعات الدين الحكومي المؤجلة.

لم يبطئ الجواب. فقد أجابت فرنسا وألمانيا بمذكرات لطيفة مماثلة مع إبداء الموافقة على تدخل أمريكا, وفي الوقت ذاته طلبتا تأجيل السداد باحترام يصل حد الهوان.

وافقت أميركا بسخاء على التأجيل وأرسلت طائراتها. حتى إنها لم تنتظر جواب ألمانيا الذي أبطأ, كما لو أنها كانت واثقة منه تماماً. وحلقت الطائرات الأمريكية التي شاهدها "الجنرال الحديدي" وياوره فوق ألمانيا, في تلك اللحظة عندما كان الوزير قد وقـَّع الجواب تواً فقط.

ومع ذلك فقد خُدعت أمريكا بحساباتها. لقد حرفت العاصفة الطائرات جانباً. واحدة منها فقط رمت القنابل على العاصمة, فأزالت من الأساسات القصر الملكي. فيما رمت بقية الطائرات حمولتها القاتلة على جوار المدينة فأحدثت خراباً عظيماً.

لم يربك الفشل الأمريكيين, إذ أرسلوا سرباً جديداً. لكن الألمان هنا, وقد شاهدوا النتائج المحزنة للإرسالية الجوية, تضرعوا أولاً طالبـين خلاصهم من هذه المساعدة الساحقة, وإضافة إلى ذلك, أرسلوا اعتراضاً حازماً مستغيثين بالرأي العام في أوربا, بعد أن شاهدوا أنهم يفقدون شيئاً. لم تكن أمريكا ستعير هذا الاحتجاج انتباهاً لو لم يتغير الوضع على مسرح العمليات الحربـية.

فمن الواضح أن شتيرنر تابع تطوير سلاحه غير العادي, وقد أرسل فجأة شعاعاً فكرياً موجهاً, اخترق ليس ألمانيا فقط وإنما كل فرنسا أيضاً وصولاً إلى المحيط ذاته.

وعلم جميع من وجد نفسه في منطقة هذا الشعاع بماذا فكر شتيرنر.

"هل أنتم تريدون إعلان حرب عالمية ضدي؟ أنا أقبل التحدي! أسلحتكم تافهة بالمقارنة مع سلاحي. ولذلك تخلوا عن الصراع . وإذا كان الجنون قد تملككم فسأجعلكم أكثر جنوناً أيضاً. أرسل تحذيري الأخير".

وواضح أن شتيرنر قد أرسل شعاعاً فكرياً جديداً بعد أن غير زاوية الشعاع قليلاً. وجنَّ فعلاً كل من وُجد ضمن هذا الشعاع في ألمانيا وفرنسا. شمل الخبل العنيف حتى طاقم وركاب الباخرة العائمة عند الشاطئ الفرنسي, فارتمى الناس نحو الأمواج أثناء جنونهم, وفجَّر الوقادون المراجل فغرقت الباخرة . وامتلأت مستشفيات الأمراض النفسية. المخبولون بعنف هاموا على وجوههم في الشوارع, وانقضوا على المارة مثيرين الذعر, فحصلت ضرورة لإطلاق النار على عدة أشخاص من شديدي الخطورة والقوة.

عاشت أوربا كلها حالة ذعر. وساد في واشنطن مزاج من الإحباط غير المعتاد. وقد ترك عدة مهندسين أمريكيين من المشاركين في البعثة التي وقعت تحت تأثير أشعة شتيرنر والذين جُلبوا من فرنسا انطباعاً مكرباً. فلأول مرة عانت أمريكا من مثل هذه الضربة الحساسة لعزة النفس الوطنية, خصوصاً أنها كانت موجهة لأعظم دولة من قبل شخص واحد, إضافة إلى أنه أوربي.

وحدثت ضرورة لإيقاف العمليات العسكرية مؤقتاً, فارتاح شتيرنر من ذلك التوتر الضخم الدائم الذي وجد ضمنه أثناء "المعارك".

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:11 pm






10 - بحثاً عن سلاح مكافئ





عاشت عائلة زاوير في أوسبـيداليتي غير بعيد عن مينتون قرب شاطئ البحر المتوسط.

كان لدى إيما أساس للشكوى من زوجها في رسالتها الموجهة لإلزا. كان أوتو زاوير في الفينة الأولى لوصولهما حنوناً جداً ومبدياً الاهتمام بزوجته المريضة. كان يحملها على يديه بنفسه إلى الشرفة الواسعة, ويجلسها بعناية في المقعد, ويجلب الطفل في العربة. جلسا أياماً هكذا يتمتعان بالبحر اللازوردي, ويتابعان بأعينهما المراكب العابرة واليخوت الخفيفة الأنيقة والطائرات المائية المحلقة على امتداد الشاطئ مصدرة هديرها. لم يتكلم أحدهما مع الآخر تقريباً, لكن هذا الصمت كان صمتاً خفيفاً لأناس سعداء. وفي أحيان نادرة كانت إيما تمد يدها لزاوير وهي تبتسم بسعادة, فيشد عليها ولا يتركها تخرج من يده.

أثرت الشمس الجنوبـية على صحتها تأثيراً نافعاً, فعاد التورد إلى خديها سريعاً, وازدادت قوتها, حتى إنها نهضت على قدميها بعد ثلاثة أسابـيع. لكن سعادة الشفاء سرعان ما أخذت تتعكر, لأن زاوير بدأ يتعامل مع زوجته ببرودة متزايدة . لم تعد تجد لدى استيقاظها باقة طازجة من القرنفل المرشوش بالماء وبنفسج نيس والورد الأحمر القاني العطر على الطاولة قرب سريرها. وتزايدت ندرة جلسات زاوير معها على الشرفة. أصبح صمتهما ثقيل الوطأة, إذ لم يعد يقرّبهما وإنما زاد الشقة بـينهما.

كانت إيما تسأل باكتئاب وهي ترى زاوير ينهض:

- هل أنت خارج؟

فيجيبها بفظاظة:

- لا أستطيع المكوث هنا طيلة اليوم.

ويذهب إلى غرفته أو إلى خارج المنزل.

وفي إحدى المرات دخلت غرفة زوجها فجأة فصادفت ذلك المشهد:

كان زاوير يجلس قرب طاولة المكتب وقد فتح درجها, وينظر بحزن وحنان إلى صورة إلزا.

وكما لو أن إبرة دقيقة اخترقت قلب إيما فاحمرت, وأرادت الخروج دون أن يراها, لكن زاوير شاهد خيالها في المرآة الكبـيرة. وتلاقت نظراتهما. فازداد تعكر إيما أكثر. أما زاوير فقد عبس وارتسم الشر على وجهه, ثم رمى الصورة إلى داخل الطاولة وخبط الدرج. وقال بهياج دون أن يلتفت وهو ينظر إلى خيالها في المرآة:

- ماذا لديك وراء هذا السلوك في اقتحام الغرفة عندما أكون ... أعمل؟

- المعذرة يا أوتو. فأنا لم أعلم ...

وخرجت بهدوء من الغرفة.

أصيب قلب إيما الصغيرة بجرح, فانسلت إلى غرفتها وبكت طويلاً وهي تنحني فوق مهد الطفل.

- يا ولدي المسكين, يا طفلي الصغير!

بكت وهي تقبل رأس الطفل بحذر, فسقطت عدة دمعات على شعره.

لم تنم في المساء وفكرت. فكرت ... كان هذا السلوك غير عادي أبداً بالنسبة لإيما الصغيرة. فكرت وهي تلوي يديها:

- هاكم لماذا تبردت عواطف أوتو تجاهي. إنه يحب واحدة أخرى. وإلزا هي الأخرى! هذا طبـيعي تماماً. لقد أحبا أحدهما الآخر. كيف استطعت نسيان ذلك؟ لماذا وافقت أن أصبح زوجة زاوير؟ لماذا تزوجني زاوير إذا كان يحب إلزا؟ ولكنه أحبني أيضاً, إذ لا يمكنه خداع قلبي. وإلزا؟

كان كل هذا صعباً جداً بالنسبة لإيما. فقد انهالت الأفكار الغليظة والأسئلة غير القابلة للحل عليها مثل انهيار ثلجي جبلي, فسحقت فوراً زهرة سعادتها الرقيقة.

بكت ذارفة دموعاً لا حول لها, وهمست بـيأس:

- أوتو, أوتو!

هل تناضل؟ هي لم تخلق للنضال.

وعند الصباح اتخذت قرارها: أن تكتب لإلزا تلك الرسالة ذاتها التي أقلقت شتيرنر أكثر مما أقلقت إلزا.

أوحت الغريزة النسائية لإيما بنبرة الرسالة الصحيحة, إذ لم تذكر في الرسالة أي كلمة عن حادثة الصورة. واكتفت فقط بتقاسم مصيبتها مع إلزا كما تتقاسمها مع صديقة. وعلى نحو نصف واع نصبت إيما بهذه الرسالة مصيدة لمنافستها, آملة أن تلك سوف تكشف نفسها بطريقة ما إذا كانت مستمرة في حب زاوير.

انتظرت إيما جواب إلزا بفارغ الصبر, وقد استلمته أخيراً.

لم تطاوعها يداها عندما فضَّت المغلف. تجمَّد قلبها وتقافزت الأسطر أمام عينيها, لكن ما إن قرأت الرسالة حتى تنهدت بارتياح.

- كلا, إلزا لا تستطيع الكذب!

صبَّرت إلزا إيما, وأكَّدت أن أوتو سيعود حنوناً مجدداً تجاه "خادرته الصغيرة". وأهم شيء هدَّأ إيما أن إلزا قد كتبت أكثر عن نفسها, وعن حبها لشتيرنر, وعن سعادتها, وعن هواجسها ... لقد عبَّرت بصراحة عن قلقها من أن مظهر شتيرنر أصبح سيئاً, وأنه مجهد وعصبي للغاية. اطمأن قلب إيما. لا بل أضحكتها نهاية الرسالة, فقد كتبت إلزا:

"لن تعرفي شتيرنر الآن. لقد أرخى لحيته فأصبح شبيهاً براهب ناسك ..."

- أتخيله! هو ذا غول ما!

فرحت إيما, لكن زاوير أرغمها سريعاً ومجدداً على الاستغراق في قنوط لا مخرج منه.

أصبح زاوير أكثر حدة وفظاظة مع إيما بعد حادثة صورة إلزا. صار يأتي إلى الشرفة الآن عندما تكون إيما جالسة هناك كي يرى ابنه فقط, دون أن يعيرها انتباهاً. كان زاوير يجلس قرب عربة الأطفال ويبدأ بملاعبة الطفل.

تابعت إيما زوجها بقلق وتصيَّدت نظراته, لكن أوتو لم يلاحظها. كانت تعتزم الكلام أحياناً:

- لقد كتبت إلزا أن منظر شتيرنر يبدو سيئاً وأنه مجهد جداً.

أجاب زاوير عبر أسنانه:

- العالم سيربح فقط إذا فطس هذا الحيوان.

تعجبت إيما من تغير زاوير الحاد تجاه شتيرنر, فهو لم يستطع سماع اسمه الآن. لكن إيما لم تقرر سؤاله عن سبب هذا التغير. وجلسا صامتين.

بطريقة ما تراءى لإيما أن مزاج زاوير حسن. فقد كان أهدأ من المعتاد على أقل تقدير. وحلق سرب من الطائرات فوق البحر.

سألت إيما فجأة:

- لماذا لا تسقط الطائرات, يا أوتو؟

أجاب زاوير:

- كم أنت حمقاء, يا إيما. المدهش, كيف أنني لم ألحظ هذا سابقاً!..

امتقعت إيما من الكدر والضيم, وأجابت بصوت يرتجف من الدموع:

- وماذا في ذلك, يمكنك تركي. سآخذ أوتو الصغير وأذهب.

- تفضلي! لن أمسكك. لكني لن أعطيك ابني!

ثم أصلح الغطاء فوق الطفل وخرج.

اقتربت إيما من الطفل دون أن تكبت دموعها وانحنت فوقه.

- هل يعقل أنني سأفقد هذا أيضاً؟

صرَّ الرمل تحت أقدام شخص ما على الطريق.

- هل أستطيع رؤية السيد زاوير؟

مسحت إيما وجهها الشاحب بالمنديل باستعجال والتفتت. وقف أمامها شاب في بذلة صيفية بـيضاء وشعر أحمر ونمش على الوجه.

فكرت إيما: "أين شاهدت هذا الوجه؟"

- أ لم تعرفيني؟ يبدو أننا تقابلنا.

- آخ, نعم, نعم. السيد غوتليب!

- رودولف غوتليب. لم تخطئي.

أخرجت الأصوات زاوير فانحنى غوتليب.

- علي أن أتحدث معك يا سيد زاوير بشأن قضية هامة جداً.

ذهبا إلى غرفة المكتب فابتدأ غوتليب:

- آمل أنك تعرف كل أحداث الفترة الأخيرة من خلال الجرائد.

أجاب زاوير:

- أنا لا أقرأ الجرائد.

رفع غوتليب حاجبـيه باستغراب:

- لكن كل العالم يتحدث عن ذلك!

احتار زاوير قليلاً. فهو لم يقرأ الجرائد إطلاقاً منذ لحظة وصوله إلى الريفييرا, كما لو أنه نسي وجودها. لماذا؟ هو ذاته لم يعرف هذا. وقد أجبره سؤال غوتليب الآن على الاسترسال شخصياً في التفكير.

أجاب زاوير كي يشرح الغرابة بطريقة ما:

- أردت أن أرتاح. يوجد في الجرائد شيء ما دائماً. شيء يزعج أو يشوش ... كل هذه المشاحنات السياسية ...

- علي في هذه الحالة أن أبـيّن لكم وضع الأشياء. فالقضية تدور ليس حول المشاحنات السياسية, ولكن حول الخطر الذي يهدد البلاد بأكملها, ومن الجائز أن يهدد العالم كله.

حدث غوتليب زاوير عن الحرب غير العادية بـين لجنة الإنقاذ وشتيرنر, وعن الهزيمة المشينة "للجنرال الحديدي".

استمع زاوير بانتباه متزايد مقاطعاً المتحدث أحياناً بشتائم فظة موجهة لشتيرنر.

وعلى ما يبدو فقد أعجبت هذه الردود غوتليب جداً, فقال منهياً الحديث:

- أنا مسرور للغاية لأنك مثلي, على ما يبدو, قليل الانحياز لشتيرنر. كل واحد منا يملك أسبابه كي يكره شتيرنر. لكنك عملت معه وكنت يده اليمنى. أنا أعترف أنني تخوّفت من أن تكون ما زلت إلى جانبه حتى الآن. وعندئذ ما كانت مهمتي ستتكلل بالنجاح ... أنا مرسل من قبل اللجنة - لقد كانت هذه فكرتي بالذات - لكني أملك صلاحيات ... يتهيأ لي أنك الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكشف سر تأثير شتيرنر غير العادي على الناس. سر تلك القوة التي يتمتع بها. أكثرية العلماء يميلون في الوقت الحالي إلى أن شتيرنر قد استحوذ على سر إرسال الأفكار عبر المسافات. لكن سر هذا الإرسال لم يكتشف. وإذا أنت أردت ... فإنه باستطاعتك تقديم خدمة كبـيرة لنا ... والمكافأة ...

نهض زاوير وتمشى في الغرفة باضطراب.

- مكافأة؟ إسقاط هذا الوحش شتيرنر هو أفضل مكافأة لي!

فكر زاوير بإلزا في هذه اللحظة. وتذكر حكاية الأميرة التي وقعت في قبضة ساحر شرير. وشتيرنر هو هذا الساحر. أما هو زاوير فإنه الفارس الذي ينبغي أن يحرر الأميرة من السحر. يحرر! لكن كيف؟

- كنت سأساعدكم عن طيب خاطر, يا سيد غوتليب, لو كنت أعرف شيئاً ما مؤكداً. الحقيقة تقال أنني أملك تخمينات فقط. وحسبما أعرف فإن شتيرنر قد مارس نشاطاً علمياً في حقل دراسة الدماغ وإرسال الأفكار إلى بعيد قبل التحاقه بخدمة عمكم المرحوم. وأجرى التجارب على الحيوانات, وقد رأيت بنفسي أن الحيوانات قامت بالعجائب. أنا شخصياً أعتقد ...

صمت زاوير كما لو أنه تردد, ثم تابع:

- أن عمكم, كارل غوتليب, قد مات ميتة غير طبـيعية … فهذا الكلب الذي ارتمى تحت أقدام العجوز لحظة اقتراب القطار, كان يستطيع العمل بإيحاء من شتيرنر, حتى لو لم يكن موجوداً في هذه اللحظة.

نهض رودولف غوتليب, ثم مدَّ رأسه إلى الأمام, وتنفس بصعوبة من الاضطراب وصاح:

- لقد اعتقدت دوماً أن قضية الإرث تخفي جريمة! لكن لماذا لم تفصح عن شكوكك أثناء المحاكمة؟ وأكثر من ذلك, لقد دافعت عن مصالح إلزا غليوك في المحكمة ...

ضغط زاوير كتفيه:

- أعتقد أنني, مثل جميع المحيطين بشتيرنر, كنت تحت تأثير هذا الإنسان الرهيب. أنا لست عالماً, ولا أعرف بأي طريقة يوحي شتيرنر بأفكاره إلى الناس. لكني أعتقد أن سلطته محدودة بنطاق تأثير معروف. أنا أحكم على ذلك, لأنني هنا فقط بعيداً عنه, شعرت كيف أصبحت أتحرر تدريجياً من تنويم مغنطيسي ما, إذ "تزول مغنطة" تلك الشحنة التي من الواضح أنني تلقيتها قبل مغادرتي. أو أن شتيرنر لم يصل بعد إلى إمكان التأثير من مسافات كبـيرة. أو أنه قام أثناء مغادرتي بإيحاء ذي قوة غير كافية لي, فضعف مع مرور الزمن.

قال غوتليب:

- أنت محق. لكن شتيرنر يتطور باستمرار على ما يبدو, إذ إن دائرة تأثيره وقوتها ومداها في تزايد. ومن يعلم, فمن الجائز ألا نكون في مأمن هنا غداً.

ارتعش زاوير:

- مجدداً؟ هل سأقع مجدداً تحت سلطة هذا الشخص؟ هل سأصبح ألعوبة بـين يديه؟ كلا, من الأفضل أن أهرب إلى طرف العالم! والأفضل أيضاً إبادة شتيرنر. فأحرر نفسي والآخرين!

- إذا كان هذا كذلك, إذا كان سر نجاح شتيرنر في هذا, فإن النضال ضده ممكن فقط بسلاح مكافئ. ومن سيعطينا إياه؟

صمتا. فكر زاوير بشيء ما, ثم قال:

- نعم, أنت محق. النضال ممكن فقط بوجود سلاح مكافئ. خطرت لي فكرة الآن. لا يمكن أن يكون شتيرنر وحده فقط هو من انشغل بحل مسألة إرسال الأفكار عن بعد. ينبغي البحث بـين العلماء ...

قال غوتليب:

- لقد بحثنا, وتوجهنا إلى العلماء العاملين في هذا المجال. لكن عددهم قليل جداً. لقد استفهمنا من أحد العلماء الإيطاليين فأجاب بأن ما يقوم به شتيرنر لم يصل إليه العلم المعاصر. إما أن شتيرنر عبقري في هذا المجال وسبق الآخرين, أو أن شيئاً ما آخر هنا.

- لكن ليس الإيطالي وحده ...

- حصل لي أن قرأت عن تجارب عالم آخر أيضاً. والحقيقة أنه لا يحمل حتى لقب بروفيسور.

سأل زاوير بسخرية:

- ولهذا فأنت لم تستعن به؟

- أعترف ...

- وهل شتيرنر يستعبدنا بنير لقبه البروفيسوري؟ ينبغي إيجاد هذا العالِم من كل بد! لا يجوز إهمال أي فرصة.

وقال زاوير بعد أن فكر قليلاً:

- ولا يجوز إفلات أي دقيقة. وهكذا سأذهب معك, وسنبحث عن هذا العالِم لنستمع إلى ما سوف يقوله لنا. نعم, شيء آخر أيضاً, لقد عاش شتيرنر في فيلا بمينتون, وهي قريبة. ينبغي إلقاء نظرة هناك إن كان قد خلف وراءه أثاراً ما.

تأهب زاوير للرحيل بسرعة, وقال بعد أن قابل زوجته على الشرفة:

- إيما, أنا سأسافر.

سألت إيما بقلق:

- لمدة طويلة؟

- لا أعرف, لكني أعتقد أن المدة طويلة.

وودعها ببرود, ثم خرج بسرعة برفقة غوتليب.

لم تعرف إيما هل تبكي لأن زاوير غادرها, أم تفرح لأنه لم يحرمها من الطفل.

تسلل زاوير, الذي يملك وكالة من شتيرنر, إلى فيلا إلزا غليوك دون عقبات, وعاين بانتباه كل المسكن.

وجد في إحدى الغرف الفارغة تقريباً قطعة ضخمة من خليطة معدنية. وتناثرت على الأرض قطع من لولب سلكي وحطام عوازل خزفية وأطراف توصيل ومشابك.

قال غوتليب وهو يرنو إلى كتلة المعدن المصهورة:

- عمل دقيق! شتيرنر قادر على إخفاء الأدلة. من الواضح أن جهازاً ما قد انتصب هنا. لكن كيف تمكن من صهر كل المعدن دون أن يحرق حتى الأرض؟

- وماذا في ذلك. لا يوجد ما يمكننا فعله أكثر هنا يا غوتليب. لنذهب للبحث عن سلاح ضد السمّ. أين يوجد عالِمنا الذي لا يحمل شهادة؟

- في موسكو.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:13 pm








11 - المخترع الموسكوفي





بعد شهر دخل زاوير وغوتليب إلى فناء الجب الموجود في تفيرسكايا - يامسكايا غير بعيد عن بوابات النصر. تجمعت الأبنية ذات الطبقات الست بإحكام حول الساحة المزفتة. ترددت أصوات الأطفال الذين يلعبون لعباً مدوياً بـين الحيطان العالية.

قال غوتليب وهو يستعرض أرقام الشقق عند باب الدخول إلى المبنى:

- يبدو أنه هنا. هيا يا زاوير, ما دام كل شيء يسير سيراً حسناً.

تذمر زاوير وهو يتنفس بصعوبة:

- تفو, ليأخذه الشيطان, متى سينتهي هذا الدرج؟ يا للعجب, كيف يستطيع هؤلاء الناس العيش دون مصعد؟ ما هو رقم الشقة؟

- التاسعة والعشرون.

- هذه هي الخامسة والعشرون, إذاً إلى الطبقة الأخيرة.

قال غوتليب:

- لا بأس, الجولة مفيدة لك. فأنت تمتلئ بسرعة كبـيرة يا زاوير.

وضغط الزر.

خابت آمال زاوير مما شاهده عندما دخل أخيراً غرفة كاتشينسكي, إذ لم يتطابق أثاث الغرفة ولا حتى المخترع ذاته مع ما صوَّره زاوير لنفسه.

كان ينتظر مشاهدة غرفة مكتب مطمورة ومحجوبة بمختلف الآلات وبتلك الفوضى التي تميز المخترعين. ولم يذكره مسكن كاتشينسكي بمخبر لفاوست معاصر. كانت هذه عبارة عن غرفة صغيرة ذات نافذة إكليلية عريضة. انتصبت أمام النافذة طاولة مكتب كبـيرة مع آلة كاتبة. وتوضَّعت آلة أخرى على طاولة صغيرة ملاصقة للجانب الضيق من طاولة المكتب. كانت الآلتان, إحداهما للأحرف الروسية والثانية للأحرف اللاتينية, وكذلك رسم صغير لمحرك هوائي وفق نظام فليتنير معلق على الحائط قرب الطاولة, هي المؤشرات الوحيدة غير الواضحة على طبـيعة أعمال مالك الغرفة.

عُلِّقت فوق الأريكة العريضة ذات النمط التركي نسخة غير سيئة من لوحة لغريوز تصور فتاة ذات تعابـير بسيطة المكر في عينيها, وهو ما يميز "غريوز". نظر زاوير إلى هذا الرأس وصعَّر خديه. تذكر إيما. فقد قارنها بفتيات غريوز عندما وقع هكذا فجأة في حبها.

عُلِّق منظران طبـيعيان إلى جانب رأس غريوز. وتوضَّع على طاولة صغيرة منفصلة تمثال صغير من حديد الزهر, يمثل واحدة من مجموعات أحصنة كلود المنتصبة في لينينغراد على الجسر القديم العهد.

أكملت الأثاث نملية صغيرة, وخزانة ذات مرآة, وطاولة في منتصف الغرفة مفروشة بسماط نظيف, وعدة كراسٍ منجدة بالجلد ذات مساند عالية.

وجدت عليها كلها آثار النظافة والأناقة. وهذا ما حيَّر زاوير أيضاً. فعندما تجلس في هذه الغرفة يمكن أن تتخيل أنك موجود في برلين أو ميونيخ وليس في موسكو أبداً.

لقد تخيل المخترع الروسي تخيلاً مختلفاً تماماً. فهذا الجنس من الناس, حسب رأي زاوير, يجب أن يتميز بملامح خاصة. لكن وقف أمام غوتليب وزاوير شخص لا يزال شاباً ويبدو متواضعاً, ذو شعر فاتح ممشوط إلى الخلف, عيناه فاتحتان ووجهه ناعم الحلاقة, أنفه مستقيم وخطوط شفتيه مرسومة وكأنها منحوتة. كان يرتدي قميصاً مخملياً ذا لون بني داكن وبنطالاً ذا تفصيلة خيَّال محشوراً في جزمة ذات ساقين ضيقـتين.

وقفت إلى جانبه زوجته في قميص أبيض محتفية ومرحبة.

فكر زاوير: "ألم نخطئ نحن؟"

لكنهما لم يخطئا. عرَّف الضيفان بنفسيهما, وسرعان ما انعقد حوار حار.





فكر زاوير: "من الجائز أن هذا الشخص أيضاً يملك تلك القوة الجبارة مثل شتيرنر, لكنه يعيش ويـبدو بتلك البساطة! هل يعقل أنه لم يشعر بإغراء كي يستخدم هذه القوة لمصالحه الشخصية مثل شتيرنر؟ كي يصبح غنياً إلى حد غير عادي وجباراً. أم أن الناس يفكرون ويشعرون هنا على نحو مختلف حقيقة؟"

سعى زاوير للحصول على إجابة على الأسئلة التي تهمه بطريقة غير مباشرة فالتفت نحو زوجة كاتشينسكي وابتسم مازحاً:

- أخبريني, أ ليس مرعباً لك أن يكون لكِ زوجاً كهذا الذي يستطيع الإيحاء للآخرين بكل ما يريده. لك على سبـيل المثال؟

رفعت كاتشينسكايا حاجبـيها مندهشة:

- لماذا؟ ما الذي يستطيع إيحاءه لي خصوصاً؟ لم تخطر هذه الفكرة على بالي إطلاقاً. عنده مَخبَر من أجل التجارب.

ابتسم كاتشينسكي, فقال زاوير وقد ارتبك قليلاً:

- ومع ذلك فهذه القوة خطرة.

أجاب كاتشينسكي:

- مثل كل قوة أخرى. لقد اخترع نوبل الديناميت كي يسهل عمل الإنسان في صراعه ضد الطبـيعة, وليفجر حجر الغرانيت. لكن الإنسانية جعلت من هذا الاختراع أكثر أسلحة الإبادة هولاً. فلم يبق لنوبل المغموم إلا أن يؤسس جائزة للسلام من "عائدات الديناميت", كي يكفِّر جزئياً على الأقل عن خطيئته غير المقصودة أمام الإنسانية. وشتيرنر ليس استثناء في هذا المجال. لقد استخدم هذه القوة الجديدة لأغراضه الفردية فقط.

وتابع كاتشينسكي:

- يتعلق كل شيء بأيدي من توجد البلطة. أحدهم يقطع بها الحطب والآخر رأساً بشرياً. ولقد جرى التنبؤ بخطر ذلك الاستخدام قبل أن يرمي شتيرنر بتحديه للمجتمع. عندما أصبحت تجاربي الأولى معروفة للجمهور الواسع, ألحَّ عليَّ مباشرة بالأسئلة ضيقو العقل القلقون. قدِمَت إليَّ بعض النسوة وأكَّدن أن ناساً أشراراً يعرضنهن لإيحاء من بعيد. هؤلاء التعيسات طلبن مني بقنوط إنقاذهن من "السحر الشرير". قالت لي إحداهن إن طلاباً ما من جامعة خاركوف "يشحنونها" بتيارات كهربائية, بحيث أنها عندما تمر بالقرب من أعمدة الإنارة الحديدية فإن شرارات تطير منها محدثة فرقعة.

وقالت: عندما أسير منتعلة جرموقاً وقبعة حريرية لا يحدث الشرار. فماذا أفعل؟ أستلقي لأنام فأشعر كيف تملؤني الأمواج الكهربائية وأسمع صوتاً "أنت الآن تحت سلطتنا!".

نصحتها أن تتغطى بغطاء حريري, وأن تمسك بـيدها مادة معدنـية موصولة بأنابـيب التدفئة: تأرَّضي كما في المستقبل اللاسلكي.

وأكَّدت لاحقاً أن هذا قد ساعدها. فما إن "تأرَّضت" حتى "انعطف" التيار وذهب إلى الأرض فنامت بهدوء.

ما الذي كان باستطاعتي فعله أيضاً؟ كان هؤلاء مرضى عصبـيين أو نفسيين ببساطة.

هدد بعض الرجال بقتلي إذا شرعت باستخدام اختراعي.

صرخ واحد منهم: "أنا لا أرغب أن تحشو دماغي بأفكارك!"

قال غوتليب وهو يرغب في نقل الحديث بسرعة إلى أرضية عملية:

- وهم محقون في مخاوفهم. فالرعب الذي يزرعه شتيرنر حول نفسه ...

قال كاتشينسكي:

- نعم, نعم, أنا أيضاً توقعت هذه الإمكانية, ولهذا فإنني منذ البداية عملت في اتجاهين: اتجاه كيفية تطوير إرسال الأفكار عبر المسافات, واتجاه كيفية حماية الناس من الأذى الذي تسببه.

سأل غوتليب مهتماً:

- وماذا إذاً. هل نجحت في هذا؟

أجاب كاتشينسكي:

- أعتقد أنني سأحل المسألة.





قال زاوير:

- اسمح لي أن أطرح سؤالاً. كل العالم يتحدث الآن عن إرسال الأفكار عن بعد. لكن يا لخجلي, فأنا لا أعرف فيمَ تكمن القضية هنا, ولماذا اكتشف الناس الآن فقط فجأة ذلك الذي كان يجب أن يوجد دائماً على ما يبدو؟

تنشّط كاتشينسكي أما غوتليب فقد تنهد دون رضا, وفكر: "ستُستَعرَض النظرية الآن , في حين يجب العمل".

- القضية باختصار تتلخص كما يلي: تستدعي كل فكرة من أفكارنا مجموعة من التغيرات في أصغر جزيئات الدماغ والأعصاب. وتترافق هذه التغيرات بظواهر كهربائية. فالدماغ والأعصاب تشعّ أثناء العمل أمواجاً كهرطيسية خاصة تنتشر في كل الاتجاهات, تماماً كما تنتشر الأمواج اللاسلكية.

- لكن لماذا لم نستطع التخاطب فكرياً أحدنا مع الآخر حتى الآن؟

- هذه الأمواج الكهربائية ذات استطاعة صغيرة, زد على ذلك أنها ذات طبـيعة خاصة. ولهذا تُسَجل في الوعي الآخر الفكرة المُشَعّة من شخص ما فقط في تلك الحالة عندما تصل هذه الفكرة إلى دماغ ذي توليف مماثل, إذا جاز التعبـير.

- وبكلمة, إذا استطاع الدماغ "المستقبل" استقبال موجة بالطول ذاته الذي ترسل عليه "محطة الإرسال" أي الدماغ المُشِع؟

- صحيح تماماً. وحوادث تلك الإرسالات لوحظت منذ فترة طويلة بــين ناس أقرباء. لكن بما أنه كان من غير الممكن التأكد من هذه الحوادث, والأكثر من ذلك شرحها علمياً, فإن العلم نفاها ببساطة أغلب الأحيان, وخصوصاً أن هذه الأحداث المحيرة قد استخدمها مُحَضِّرو الأرواح و "المتخاطرون عن بعد " والتيوصوفيون وغيرهم من المتصوفين, الذين يحاولون باستخدام هذه الوقائع غير المفسرة علمياً البرهنة على وجود "الروح", التي يمكنها أن تظهر نفسها بمعزل عن الجسد.





توقف كاتشينسكي ثم تابع:

- واحدة من هذه الحوادث "الغامضة" دفعتني شخصياً لأن أنشغل بمسألة إرسال الأفكار عن بعد.

قال زاوير:

- هذا ممتع!

استدار غوتليب على الكرسي وقد نفد صبره.

- جرت القضية في تفليس. مَرِضَ صديقي بحمى من النوع الشديد, وكنت غالباً ما أزور المريض. في إحدى المرات رجعت من عنده في وقت متأخر من الليل. أطفأت النار واستلقيت في السرير. دقّت الساعة الثانية. وبعد دقات الساعة سمعت صوتاً بوضوح تام ... كما لو أن أحداً ما قد قرع بالملعقة عدة مرات طرف قدح من زجاج رقيق. فكّرتُ وأنا أشعل الضوء: "القطة". لكني بعد معاينة الغرفة لم أجد لا قطة ولا حتى أي مادة زجاجية من التي كان بإمكانها التصويت عند الارتجاج. لم أعط قيمة لهذه الحادثة وسرعان ما غفوت.

وفي الصباح عندما دخلت منزل صديقي رأيت تلك الململة الخاصة التي قالت لي كل شيء دون كلام. لقد مات صديقي في هذه الليلة. كانت جثته لا تزال مستلقية في السرير, فأخذت أساعدهم في إبعاده وسألت:

- متى مات؟

أجابتني أمه:

- في تمام الساعة الثانية ليلاً.

اصطدمت ساقي بالمنضدة التي يوجد عليها الدواء وأنا أقترب من السرير. استدارت الملعقة الموجودة في القدح الكبـير المصنوع من زجاج رقيق, فسمعت صوتاً معروفاً.

فكرت بحيرة: "أين سمعته؟ أمسِ ليلاً. لا يوجد أدنى شك أنه ذلك الصوت نفسه". وسألت أم صديقي كيف مات ابنها.

"في تمام الساعة الثانية ليلاً قرَّبت ملعقة الدواء من شفتيه. حرَّكهما بضعف فقط, لكنه لم يستطع الشرب. وضعت الملعقة في الكأس وانحنيت فوقه. فكان ميتاً".

أرغمتني هذه الحادثة على التفكير معمقاً. طبعاً, أنا لم أُسلِّم إطلاقاً بوجود أي شيء خارق للطبـيعة. لكن بماذا كان يمكن عندئذ تعليل هذه الحادثة؟ قرأت في ذلك الوقت منهاجاً لمحاضرات حول اللاسلكي في واحدة من المدارس. فأنا, كما هو محتمل أن يكون معلوماً لديكم, مهندس كهربائي من حيث المهنة. وأول فكرة التمعت في ذهني, أوحت إلي بأن ظاهرة إرسال الصوت الغريبة ينبغي أن تكون من الصنف الكهربائي ومشابهة للإرسال اللاسلكي. ألم يشع دماغ صديقي الذي كان يموت الأمواج الكهربائية التي وصلت إليَّ؟ وبدأت بدراسة عمل الدماغ والأعصاب هنا في موسكو. ويا لعجبي, فقد وَجدتُ سلسلة من التشابهات الغريبة جداً بـين بنية الجملة العصبـية والدماغ وبـين تصميم المحطة اللاسلكية. فجزيئات الدماغ تلعب دور الميكروفون والكاشف والهاتف. وخيوط الأعصاب الليفية تملك في أطرافها التفافة تُذكِّر تذكيراً عجيباً باللولب الشريطي أي الملف التحريضي. وهاكم التحريض الذاتي. المهم أنه من وجهة النظر الفيزيولوجية, فإن البروفيسور الفيزيولوجي الذي عملت معه لم يكن قادراً على شرح معنى هذا اللولب شرحاً مقبولاً. وهو يحصل على تعليل منطقي تماماً في ضوء التقنية الكهربائية. فمن الواضح أن الطبـيعة قد صنعت هذه الالتفافة الحلزونية لتقوية التيار الكهربائي. بل إنه لدينا في الجسد صمامات راوند, وهي دسامات القلب الإكليلية. منبع طاقة القلب يوافق البطاريات التراكمية. أما جملة الأعصاب الطرفية فتوافق التأريض, وهكذا بدراسة بنية جسم الإنسان من وجهة نظر التقنية الكهربائية, توصلتُ إلى قناعة تامة بأن جسمنا عبارة عن جهاز كهربائي معقد, محطة لاسلكية كاملة قادرة على إرسال واستقبال التموجات الكهرطيسية. هاكم تفضلوا وانظروا الرسم.

- لم يكن من السهل عليَّ البرهنة على وجود الأمواج الكهرطيسية دون جدال. لقد أجريتُ تجاربي في مخبر دوغوف, الذي مارس بنجاح تجاربه في الإيحاء للحيوانات. لقد وضعتُ تجربتي على الشكل الآتي: صنعتُ بـيدي قفصاً من شبكة حديدية كثيفة تنتصب على عوازل. كان يمكن تأريض الشبكة حسب الرغبة. أجلسنا كلباً أمام القفص ودخل دوغوف إليه. عندما لم يكن القفص مؤرَّضاً كان الكلب ينفذ أوامر دوغوف الفكرية بنجاح. لكن كان يكفي أن يؤرِّض غلاف القفص المعدني كي لا يصل أي إيحاء إلى الكلب. وأعتقد أنكم تفهمون لماذا: فالأمواج الكهرطيسية الساقطة على الشبكة المعدنية كانت تذهب إلى الأرض ولا تصل إلى الكلب. وبهذا الشكل حُلَّت المسألة. فقد أثبتُ وجود أمواج كهرطيسية يبثها الدماغ. وتمَّت البرهنة بطرق أخرى على الطبـيعة الكهرطيسية للأمواج الدماغية والعصبـية من خلال أعمال علمائنا: الأكاديمي لازاريف والبروفيسور بـيخفيريوف, وفي إيطاليا البروفيسور كازامالي.

فقد غوتليب صبره نهائياً فقال أخيراً:

- كل هذا ممتع للغاية, لكن لنعترف بأننا لا نهتم بالجانب العلمي قدر اهتمامنا بالنتائج العملية لأعمالكم. لقد تفضلتم بالقول إنه يمكنكم حل مسألة حماية السكان من الاستخدام الإجرامي لوسيلة التأثير الجديدة على الناس. لكنكم لم تحلوا هذه المسألة بعد. وبمختصر القول هل ستستطيعون إزالة ضرر شتيرنر؟

- المسألة بالنسبة إليَّ محلولة نظرياً. لكني لم أقم بالتأكد منها تجريبـياً بعد على مستوى كبـير. لقد اقتصرنا على تجارب إرسال الأفكار إلى الحيوانات من مسافات قصيرة. و "آلتي - الدماغية" قابلة للتحقيق تماماً بالنسبة للتقـنية المعاصرة. فأنا أدرس طبـيعة الأمواج الكهرطيسية التي يبثها دماغ الإنسان, وأحدد طولها وترددها إلى آخر ما هنالك. واسترجاعها ميكانيكياً لم يعد يمثل صعوبة. قوّوها بالمحولات فتجري الأفكار - الموجات مثل الأمواج اللاسلكية العادية, وسوف يستقبلها الناس. آلتي تُبنى وتتألف من هوائي, وجهاز تقوية مع محولات, وصمامات مهبطية, ورابطة تحريضية مع دارة طنينية للهوائي. يمكنكم إشعاع فكرة محددة إلى هوائي "محطتي اللاسلكية المرسلة" وهي ستقوي هذا الإشعاع وترسله عبر الفضاء. هاكم "المدفع" الجديد الذي سنرمي بوساطته شتيرنر.

تنهد غوتليب بارتياح:

- وهل سيمكن استخدام هذا المدفع قريباً؟

- أعتقد أنه يمكن إرسال الطلقة الأولى بعد أسبوعين.



- ممَ سوف تتكون؟

- سوف نباغت شتيرنر, ونوحي إليه بأن يخرج من المنزل وأن يأتي إلينا. وسوف يكون في قبضتنا.

- لكن أين سوف تنصب "مدفعك"؟

- أظن أن علينا أن نذهب إلى أقرب موقع ممكن من هدفنا. أكرر إن المدفع لم يُختبر في تجربة, ولا أضمن تأثيره من مسافة بعيدة.

- لكن أ ليس من الخطر الدخول إلى دائرة تأثير شتيرنر؟ إذ إنه يملك سلاحاً أطول مدى وأكثر كمالاً واختباراً؟

- لا يوجد مخرج آخر. يجب أن نُقدِمَ على المخاطرة.

سأل زاوير:

- ألا يمكننا أن نتزود بعوازل؟ لقد قلت إنك فكرت بوسائل الحماية.

- طبعاً يمكن أن نغطي أنفسنا بشبكة معدنية رقيقة. وسوف تترسب الأمواج الكهربائية التي تشعها أفكار شتيرنر على الشبكة, وستذهب إلى الأرض. سوف لن نتأثر بإشعاعاته, لكن في الوقت ذاته فإن ذلك العزل سوف يُفقدنا نحن ذاتنا إمكانية إشعاع الفكر. الحقيقة أنه باستطاعتنا العمل ميكانيكياً بوساطة "الآلة – الدماغ". لكنني لم أدرس كفاية بعد أمواج الإشعاع الدماغي الكهرطيسية, ولهذا لا بد من المخاطرة بأنفسنا حالياً. أنا سأرسل الأفكار إلى الهوائي دون بذلة عازلة. فإذا ما أحسستُ بتأثير إشعاع شتيرنر عندئذ تطرحون عليَّ الشبكة. أنتم ذاتكم ستكونون في بذات عازلة.

- وماذا لو ذهبنا مباشرة بهذه البذلات الواقية إلى مبنى شتيرنر ونكَّلنا به؟ عسى أنه في هذه المرة لن يجبرني على دغدغته بالشفرة عوضاً عن نحر رقبته؟

- هذا يعني المضي إلى القتل ...

- طريقه إلى هناك!

- ... ليس فقط شتيرنر, لكن أولئك الذين سيذهبون لقتله. شتيرنر طبعاً, سوف يبـيع حياته غالياً. سنحاول القبض عليه حياً. هكذا سيكون أفضل والنصر سيكون كاملاً.

نهض غوتليب, ونهض في إثره كاتشينسكي وزاوير.

بدأ غوتليب:

- اسمح لنا أن نشكرك ...

أجاب كاتشينسكي:

- من غير سبب. اشكروني عندما يصبح شتيرنر في أيدينا.


المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:16 pm





12 - الحرب الصامتة





جلس شتيرنر خلف الطاولة في غرفة المكتب منكبّاً على الرسوم, وفجأة شعر برغبة لا تقاوم في الخروج من المنزل. وكان قد نهض وتوجه إلى الباب, عندما أجبرته فكرة خطرت بباله على التوقف: ماذا لو أنه هو ذاته قد وقع تحت تأثير إرادة غريبة؟ هل يعقل أنهم كشفوا سره, وأنهم يستعملون السلاح ذاته؟ من الواضح أن تأثيرهم لم يمتلك القوة اللازمة بعد, إذ لم يفقد شتيرنر قدرته على المحاكمة, لكنه شعر بوضوح تام برغبة لا تقاوم في الخروج إلى الشارع. سرت قشعريرة خفيفة في ظهر شتيرنر. سيموت إذا لم يتخلص حالاً من تأثير الفكرة الغريبة! ما العمل؟ كيف ينقذ نفسه؟ وحملته رجلاه لا إرادياً حتى الباب. علقت عند الباب ستارة حريرية, ومرَّت بالقرب منها مشعات التدفئة. مشى شتيرنر خطوة إلى الجانب بقوة إرادة خارقة, وانتزع الستارة الحريرية ثم ألقاها على رأسه, وأمسك بـيديه أنابـيب التدفئة المعدنية, فشعر تواً كيف تناقصت رغبته في الخروج إلى الشارع, وذهبت التيارات الكهرطيسية المرسلة من عدو خفي إلى الأرض بسرعة. تنهد شتيرنر بارتياح, لكن هذا لم يعن النجاة بعد. كان ينبغي التفكير في الوضع الناشئ.

فكر شتيرنر: "يوجد في غرفتي القفص الحديدي الذي عملت فيه تجاربي الأولى. لو تسللت إلى هناك ودخلت إلى القفص وتأرَّضت ... سأختبئ بطريقة ما وهناك سنرى. لكن هل سأنجح في بلوغه راكضاً؟ ألن يحطم العدو نبضة إرادتي حالما أبتعد عن التأريض؟ لو لم يكن هذا اللينيليوم ممدوداً على الأرض أيضاً؟ ليأخذهم الشيطان! لقد بدؤوا الرمي بسلاحي. هذا شنيع. يجب أن أنعزل قبل كل شيء. عندي شبكة معدنية. سيكون ممكناً أن أطرحها على نفسي, وسأصنع فيما بعد بذلة حقيقية. لكن كيف أدركها؟ إلزا! ينبغي استدعاء إلزا.



تشكل بـين شتيرنر وإلزا منذ زمن بعيد ذلك الاتصال الكامل, بحيث كان يكفيه أن يفكر حتى من دون استخدام أي إشعاعات فكرية مقواة, كي تظهر دونما إبطاء. ابتدأ شتيرنر يستدعيها فكرياً, مصوراً بوضوح, كما هو دائماً, كل الطريق الذي يجب أن تجتازه. لكن إلزا لم تأت. فقد أعاق النسيج الحريري الموجود على رأس شتيرنر الإشعاع ...

- اللعنة!

فتح شتيرنر الحرير قليلاً, وعرَّى رأسه نصف تعرية, فأحس في الدقيقة ذاتها برغبة الخروج من المنزل. شد شتيرنر الحرير على رأسه باستعجال, واستغرق في التفكير. ومن خلال شق في النسيج الحريري شاهد بعين واحدة زر جرس كهربائي على الحائط غير بعيد عنه.

- شكراً للمرحوم غوتليب, فقد غرس هذه الأجراس في كل مكان. من الجائز أن أوفق في استدعاء الخادم ... الجرس موجود على مسافة مترين. انزلق بـيده على الأنبوب المعدني, وأخذ يقترب من الجرس. انتهى الأنبوب. قطاع التدفئة اللاحق موجود على مسافة سبعين سنتيمتراً. انحنى شتيرنر وأمسك بـيده اليسرى نهاية الأنبوب, ومدَّ اليمنى إلى أنبوب القطاع التالي, مهتماً في الوقت ذاته بألا ينحدر الحرير عن رأسه. فقد عض أطراف النسيج بأسنانه لأجل ذلك. وهكذا انتقل إلى القطاع اللاحق وضغط الزر وهو يتمسك بالأنبوب.

- ماذا لو أنهم أرسلوا إيحاء للخدم؟ سأهلك ...

تنهد شتيرنر بارتياح عندما ترددت خطوات العجوز هانس الخافقة من بعيد.

دخل هانس إلى غرفة المكتب, ووقف أمام شتيرنر الملتحف بالحرير بوجه رصين لخادم مهذب قادر على إخفاء تعجبه وراء قناع من الاحترام.

قال شتيرنر:

- هانس, يوجد في غرفتي ...

ثم تلجلج, فهو لم يُدخِل أحداً من قبل إلى غرفته. وفكر: "آ , لا وقت لهذا الآن. يمكنني أن أوحي إليه بأن ينسى كل ما سيشاهده هناك".



- يوجد في غرفتي شبكة معدنية. اجلبها إلى هنا دون إبطاء. هاك المفتاح ...

حافظ شتيرنر على الحرير بـيد واحدة, كما لو أنه يحجب عريه بخجل, وسحب المفتاح باليد الأخرى وأعطاه لهانس.

ابتعد هانس بصمت وجلب شبكة معدنية رقيقة.

- ارمها علي!

نفذ العجوز الأمر بذلك المظهر المعتاد, كما لو أنه ألبسه معطفاً.

- أشكرك يا هانس. اذهب الآن ... قف! ألا تشعر بشيء يا هانس؟ بأي رغبات خاصة؟ بالخروج إلى الشارع, على سبـيل المثال؟

- وماذا هناك في الشارع! إذا أردت الحقيقة, يا سيد شتيرنر, فأنا أشعر برغبة في الرقاد... رجلاي المريضتان تطلبان الراحة!..

- وهل ظهرت هذه الرغبة لديك منذ مدة طويلة؟

- نعم, أخذت أحِّن إلى السرير منذ عشرين عاماً.

- اذهب يا هانس!

ذهب شتيرنر بسرعة إلى غرفته الواقعة خلف غرفة المكتب.

- إيه, يا ويلكم!

همهم بغضب وهو يحرك الآلات. أزَّت المحركات الجبارة في الأسفل, واشتعلت الصمامات فعملت الآلة. أُرسِلت "الطلقة" فوصلت إلى الهدف.

وقفت في ضواحي المدينة سيارة شحن كبـيرة. كانت تنتصب على أرضها محطة لاسلكية ذات جهاز غير عادي تماماً. كانت هذه محطة مصممة وفقاً لمخطط كاتشينسكي من أجل إرسال الفكرة المُشعَة وتقويتها. كان السائق وزاوير وغوتليب في بذات خاصة مصنوعة من شبكة سلكية دقيقة تغطي كامل الجسم ولا يستثنى الوجه من ذلك.

ضحك كاتشينسكي:

- اللباس غير عادي تماماً. لكن إذا قونَـنَـتهُ الموضة فإنه سيعد مبتكراً. سنأخذ في المستقبل بصنع بطانة معدنية رقيقة ببساطة, وسنضعها في بذلاتنا. مع الأسف, فأنا لا أعرف كيف سأستغني عن الخمار. لكن النساء ارتدين الخمار! ونحن سوف نُحَضِّر أخمرتنا بحيث لا تكون أسمك ولا أثقل من الحريرية.

ثم قال كاتشينسكي:

- القذيفة أُرسِلـَت. لقد بعثت أمراً لشتيرنر بأن يخرج من البـيت ويأتي إلى هنا.

سأل غوتليب:

- وكيف سنعرف أن القذيفة قد أصابت الهدف؟

قال كاتشينسكي:

- أنا أعتقد أنه سيعلمنا على نحو أو آخر, إذا لم يظهر. فالقضية أننا نملك محطة استقبال لاسلكية ميكانيكية إضافة إلى دماغنا "المستقبـِل" الخاص بنا. ويوجد في المحطة جهاز يسجل آلياً إشعاع المحطة الأخرى.

و "أخبرهم" شتيرنر فعلاً, على الرغم من أن الشكل كان غير متوقع إطلاقاً بالنسبة للمهاجمين.

فجأة وقع كاتشينسكي على أرض السيارة, في تلك اللحظة عندما أرسل "قذيفة - فكرية" ثانية من دون البذة العازلة. حاول أن ينهض, لكنه سقط مجدداً. أراد أن يجلس, لكن رأسه وكل جسده هويا جانباً.

اندفع زاوير وغوتليب نحو كاتشينسكي وسألاه:

- هل أنت جريح؟ مرضوض؟ كيف تشعر بنفسك؟ ما الذي يؤلمك؟

أجاب كاتشينسكي وقد قام بمحاولة ثانية للجلوس فسقط جانباً مجدداً:

- لا شيء يؤلمني, وأشعر بنفسي سليماً تماماً, لكن فليأخذه الشيطان, لقد فقدت تماماً شعور التوازن!..

كان زاوير وغوتليب والسائق مصدومين. وأسرع غوتليب فرمى الشبكة المعدنية على كاتشينسكي كي يحميه من الإشعاعات الجديدة.

- نعم, طبعاً!.. ما الذي يدهشكم؟ من الواضح أن شتيرنر قد شل المراكز العصبـية التي تتحكم بالتوازن. بـيد أنه سار بعيداً في أعماله! حس التوازن واحد من أعقد المسائل وأقلها خضوعاً للمعالجة. البروفيسور بـيختيريوف …



فكر زاوير: "ومع ذلك فإن هؤلاء المخترعين جنس من الناس متميز تماماً. لقد أسقطوه أرضاً وهو يتحرك بعجز مثل دودة مدهوسة, لكنه ذاته يناقش علم الأفعال الانعكاسية مطبقاً عليه!.."

تابع كاتشينسكي:

- لقد فعل هذا عمداً, كي يظهر لخصمه مع أي عدو خطر سوف يتعامل. حس التوازن...

- هذا كله ممتع جداً يا سيد كاتشينسكي, لكن ينبغي علينا الآن أن نهتم بصحتك. أنا أعتقد ...

والتفت غوتليب نحو زاوير:

- علينا أن نتراجع في هذه المرة, وأن نجلي جريحنا الأول في هذه الحرب غير العادية, كي نقدم لـه المساعدة الطبـية.

قرر زاوير وغوتليب التراجع بغض النظر عن احتجاجات كاتشينسكي, الذي أراد متابعة المبارزة عن بعد.

- تذكروا أن مسؤولية ملايين الناس تقع عليكم. ماذا لو أن شتيرنر قتلكم. أو لنقل, سلبكم عقلكم؟

ثم وافق كاتشينسكي بتنهيدة:

- وماذا, لنذهب؟

ثم تابع وهو مستلق في السيارة:

- نعم, شتيرنر خصم خطر. فهو يملك سلاحاً أكثر قوة. ومن الواضح أن قوة إرساله بتلك الضخامة لأنه يستخدم موجة موجهة. سنحاول أن نستعمل الأمواج الموجهة!..

- من الأفضل أن تقول كيف ستعيش الآن دون حس التوازن؟

أجاب كاتشينسكي:

- من المحتمل أن أنجح في إيجاده!

هز غوتليب رأسه بشك. بدا كاتشينسكي عاجزاً تماماً, إذ لم يستطع حتى أن يمد يده فقد كانت تسقط إلى جانبه مثل العود على الرغم من أن كل أعضاء جسمه كانت سليمة تماماً.

- انظر يا زاوير. ألا توجد تسجيلات ما على شريط الجهاز.

نظر زاوير. كان الشريط معلَّماً بخطوط منحنية.

- شيء ما مرسوم هنا, لكنني لم أفهم شيئاً.

قام كاتشينسكي بمحاولة فاشلة لمد يده من تحت الشبكة.

- سأصنع قريباً الجهاز الذي سوف يترجم هذه العلامات إلى حروف. قرِّب الشريط من عينيَّ يا زاوير! هكذا ... هم ... يريد إخافتي!.. هاكم الفكرة التي أَشعَّها :

"لقد خسرتم المعركة إذ فقدتم فرصتكم الوحيدة لأخذي على حين غرة.

شتيرنر"

صرخ كاتشينسكي ورفع بهياج رأسه الذي سقط إلى الوراء فوراً:

- آه, يا للشيطان! لكنك لن تخيفني بهذا يا شتيرنر!

وصلوا إلى المستشفى وحملوا كاتشينسكي على أيديهم, ثم علّقوا شباكاً معدنية على حيطان الغرفة.

لم يستطع الأطباء فهم شيء من مرض كاتشينسكي, فاضطر أن يشرح لهم وهو يبتسم.

قال كبـير الأطباء وهو يباعد يديه:

- مع الأسف فإن الطب عاجز عن مساعدتك.

أجاب كاتشينسكي:

- عرفت هذا. ينبغي أن نخلق طباً جديداً, أو أن نلجأ إلى الهوميوباتيا.

هز الطبـيب رأسه باستياء.

- الهوميوباتيا شعوذة.

أجاب كاتشينسكي وهو يبتسم:

- ليس دائماً. مبدأ الهوميوباتيا هو "داوها بالتي كانت هي الداء". هاكم بأي معنى أنا أتحدث عن الهوميوباتيا.

كان زاوير أول من فهم فكرة كاتشينسكي.

- هل تريد استخدام جهازك لإرسال الأفكار من أجل المعالجة؟

- نعم, طبعاً. سوف أرسل إلى "آلتي – الدماغية" فكرة وهي أ‎‎نَّ مراكزي الدماغية المشرفة على حس التوازن ينبغي أن تستعيد نشاطها, ثم سأدرك شخصياً هذا الإشعاع بعد تقويته. وبما أن شتيرنر قد أثر عن بعد, فإنني سأعرَّض نفسي لتأثير مضاد بالقرب من مصدر الإشعاع ذاته. وهكذا أعتقد أنني سأفلح في إعادة حس التوازن المفقود ... لنقم بالتجربة!

تابع الأطباء التجربة باهتمام غير الواثق. لكنهم صفقوا جميعهم عندما نهض كاتشينسكي فجأة من الأرض وبدأ يلوح بـيديه وهو يقف على رجل واحدة.

صاح طبـيب شاب:

- هذه حقاً أعجوبة!

همهم طبـيب عجوز بصوت خافت:

- إذا لم يكن "مرض" كاتشينسكي ذاته تصنعاً.

وهكذا وضِعَت بداية لطب جديد حصل لاحقاً على استخدام واسع في أكثر المجالات اختلافاً. من معالجة الأمراض العصبـية, وحتى القيام بعمليات دون آلام ودون استخدام التخدير.

سأل زاوير كاتشينسكي عندما بقيا وحدهما:

- قل لي, لماذا أصابتك "الضربة" المرسلة من شتيرنر لك وحدك؟ إذ لو استطاع شتيرنر أن يحدد بدقة الاتجاه الذي أرسل منه إشعاعك الفكري, فإن إشعاعه الجوابي كان سيقابل في طريقه أشخاصاً آخرين غير محميين بشباك. لماذا إذاً لم ينل منهم الشعاع؟

فكر كاتشينسكي:

- أعتقد أنه ليس من الصعب تعليل ذلك. فبعد أن استلم شتيرنر إشعاعي الفكري, استطاع أن يحلل فوراً طوله وتردد موجته. وبكلمة, كل تلك الخواص المميزة التي تنفرد بها محطتي اللاسلكية المرسلة, أي دماغي. إذ إن كل دماغ يشع أمواجاً كهربائية تختلف إلى حد ما عن إشعاع أدمغة الناس الآخرين. وبعد أن حدد الخواص المميزة لإشعاعي الفكري, أرسل شتيرنر "رصاصة" جوابـية شلتني على موجة بالطول والتردد ذاتهما. وقد أدركتها أنا فقط. هذا أكثر الشروح طبـيعية. لكنني أعتقد أنه استطاع إرسال الإشعاع "للمُظهِر" أيضاً, إذا أمكن التعبـير كذلك.

- بأي معنى؟

- أي بمعنى أنه يستطيع إرسال إيحاء فكري: "يجب أن تشل مراكز الحركة الإرادية لدى الشخص الذي أشعَّ فكرة ضدي". وأنا هو الشخص الذي أرسل هذا الإشعاع, يعني أنه لدي...

- لكن هل يمكن فعل تلك الإيحاءات؟ هل وُجِدَت تلك الحوادث في التطبـيق العملي للتنويم المغنطيسي؟

- لا أذكر, رغم أنه لا مستحيل في هذا. على كل الأحوال, فإن التعليل الأول يبدو لي شخصياً أسهل وأكثر منطقية. لقد انتهينا من هذا. والآن إلى العمل!

ثم قال كاتشينسكي بنشاط:

- سنحاول العمل على نحو مختلف في هذه المرة. سنحيط شتيرنر بحلقة كاملة من "مدافعنا" وسنؤثر عليه فوراً من جميع الاتجاهات. طبعاً, هو يستطيع صد ضرباتنا متحاشياً الحلقة بشعاعه الموجه, وفي حين سيقوم بهذه الدورة فإن كل مدفع من "مدافعنا" سيفلح في إشعاع قذيفة فكرية.

قال غوتليب:

- وماذا لو أننا وجهنا أشعتنا إلى الخدم في المبنى أيضاً؟ إذ لو أرغمناهم على الخروج من المسكن, فإن أحداً لن يجلب المواد الغذائية لشتيرنر, وسيحكم عليه بالجوع فيضطر للاستسلام.

وافقه كاتشينسكي:

- رائع. سنستخدم هذه الطريقة.

حُضِّرَت بسرعة آلات لاسلكية لإشعاع الفكر. وعندما أصبح كل شيء جاهزاً ارتحل "القائد العام" إلى الموقع مع "الأسلحة" الثلاثين التي صفت حول المدينة على مسافة عدة كيلومترات.

أرسل كاتشينسكي إنذاراً نهائياً لشتيرنر.

"يجب أن تقنعك إشعاعاتنا الفكرية أنه قد حانت نهاية استخدامك الاستثنائي للقوة الجديدة, أي لإرسال الأفكار عن بعد. آخرون يملكون هذه القوة على قدم المساواة معك. الصراع اللاحق في ظل هذه الظروف لا معنى له. فهو سيزيد فقط المصائب الاجتماعية ومعاناة الجماهير. وحتى لو عزلت نفسك شخصياً من تأثير إشعاعاتنا الفكرية, فإننا سوف نشل نشاطك التخريـبي. وعلى كل الأحوال, فإننا سنجيب على إشعاعك الفكري ذي الطبـيعة الجماهيرية بإشعاع مضاد وأمر مضاد. نحن نستطيع ضمان بقائك حيّاً في حال التنفيذ الفوري للشروط التالية:

1 - إعادة الوضع الطبـيعي وحرية الإرادة دونما إبطاء لجميع المتعرضين لتأثير إشعاعاتك الفكرية.

2 - الإيقاف النهائي لاحقاً لكل الإشعاعات الفكرية من جانبك.

3 - تسليم جميع الآلات والأجهزة الكهربائية المُشَغِلة للإشعاع الفكري.

في حال رفضك أو عدم استلام الجواب فلن أتورع عن استخدام أقصى الوسائل.

كاتشينسكي"

وأرسل في اللحظة ذاتها أمراً فكرياً إلى جميع خدم شتيرنر كي يهربوا من المبنى. لكن شتيرنر كان مستعداً.

قرأ البرقية الفكرية المسجلة آلياً, وأرسل الجواب فوراً:

"سألقي السلاح في ذلك الحين الذي أجد فيه شخصياً ضرورة هذا".

وفجأة لاحظ أن الخدم يهربون من المبنى, وفهم فوراً سبب هذا الهروب فأرسل أقوى شعاع مع أمر بالعودة.

اندفع الخدم جيئة وذهاباً كما لو أنهم وسط لهب حريق. رمتهم الإشعاعات المتقاطعة لفكرتين متعاكستين من جانب لآخر فاندفعوا عبر المبنى. تمزقوا بـين "رغبتين" في وقت واحد: الهروب من البـيت مهما حصل, وعدم مغادرته بأي شكل من الأشكال. هرع الناس إلى الأبواب تارة, وركضوا في الاتجاه المعاكس تارة أخرى. بعضهم تشبث بالأثاث وبعضادات الأبواب وبأنابـيب التدفئة كي يثبتوا في أماكنهم. وقد حدثت كل هذه الململة غير الطبـيعية دون صوت واحد.

كانت إشعاعات شتيرنر أقرب ومن الواضح أنها أقوى, فثبت الخدم العائدون تدريجياً في أماكنهم.

وفي هذا الوقت كان شتيرنر قد أرسل إشعاعاً فكرياً جديداً.

فقد أثار جميع السكان الذين كانوا لا يزالون في المدينة بلا استثناء, وأمرهم بالذهاب لتدمير آلات الأعداء.

اندفع الناس من المدينة مثلما يحدث أثناء هزة أرضية, ونفّذوا أمر شتيرنر. كان هذا الهجوم غير متوقع, ونجحت الحشود في تدمير عدة مرسلات فكرية, لكن أكثرية مقاتلي كاتشينسكي فهمت في الوقت المناسب مغزى الجماهير الراكضة, فأشعّت موجة الذعر.

اندفع الناس جيئة وذهاباً في رقص جنوني متبلبلين في دوامة الإشعاعين, دون أن تكون لهم القوة كي يعودوا أو يهجموا ...

لم يعوِّل شتيرنر على النجاح الكامل لهذا الهجوم. كان يلزمه فقط أن يحول الانتباه من أجل الضربة الرئيسة. لقد وجّه الأمواج إلى مختلف الجهات وفق دائرة, فسقط الأعداء غير المحميين بشبكة أو الذين فتحوا هذا اللباس المُتعِب دون حذر, وقد أصيبوا بالشلل والجنون. ونقلوا هؤلاء الجرحى إلى المؤخرة أو عالجوهم بنجاح محدود وفقاً لطريقة كاتشينسكي. لم يثب المهاجمون إلى رشدهم. كان عددهم أكثر فاستبدلوا الساقطين من الصفوف باستعجال, ووقفوا أمام آلاتهم المرسلة للأفكار ليشعّوا الأمواج الفكرية نهاراً وليلاً.

نام شتيرنر عدة ساعات في بذته العازلة. لكن النوم طويلاً كان خطراً. كان من الممكن انتظار هجوم جسدي, لذا ألبس جميع الخدم بذات عازلة وسلَّحهم.

تعب شتيرنر لكنه لم يستسلم. وأنهى بسرعة تحديثاً جديداً على آلته المرسلة التي, حسب رأيه, كان ينبغي أن تؤدي إلى تلف آلات الأعداء.

استمرت الحرب عدة أيام.

وفي إحدى المرات وقف كاتشينسكي على السيارة دون الغطاء الواقي, ليرسل إشعاعاً فكرياً يشل تأثير شتيرنر. وفجأة وثب من السيارة وركض إلى جهة ما. نام زاوير على مشمع وهو يحجب رأسه بشبكة عازلة. أما غوتليب المناوب فإنه لم يعط أهمية لركض كاتشينسكي في الدقيقة الأولى.

كانت الليلة عاتمة. ولم تُشعَل الأضواء الكاشفة كي لا يظهر مكان وجود المرسل الفكري. مرت عدة دقائق ولم يعد كاتشينسكي.

أخذ شعور القلق يسيطر على غوتليب, فأيقظ زاوير وأخبره عن هروب كاتشينسكي.

صرخ زاوير:

- ما الذي فعلته؟ هل يُعقل أنك لم تفهم أن كاتشينسكي كان واقعاً تحت تأثير شعاع موَّجه من شتيرنر؟ لقد هلك. كم من الوقت انقضى منذ لحظة هروبه؟

تذرع غوتليب:

- نزل من السيارة بهدوء منذ عشر دقائق, فاعتقدت أن ذهابه قد يكون بعمل.

- هيه, هل يجوز أن نرتكب مثل هذه الهفوة يا غوتليب؟

كانوا من أجل سرعة العمل قد طرحوا على أكتافهم أغطية معدنية فقط, فرمى زاوير غطاءه, وشعَّ فكرة:

"ارجع يا كاتشينسكي! ارجع يا كاتشينسكي"

وفي اللحظة ذاتها وثب زاوير من السيارة وركض في العتمة.

حدس غوتليب أن يعطي أمراً للسائق بالانتقال إلى مكان آخر, كي يخرج من منطقة تأثير الإشعاع الموجه. وأعطى بسرعة أمراً فكرياً لكل المرسلات بإشعاع فكرة:

"كاتشينسكي وزاوير ارجعا"

شُعَّت الفكرة من قبل عشرين مرسل فكري في الوقت ذاته, وبعد عشر دقائق ظهر من العتمة شكل معتم يتأرجح إلى الأمام وإلى الوراء ومحني كما لو أنه يسير بمواجهة ريح قوية. كان هذا زاوير وقد أفلحوا في إنقاذه. لكن كاتشينسكي على ما يبدو اقترب كثيراً جداً من بؤرة إصدار الأشعة ذات استطاعة التأثير المطردة الازدياد, فلم يستطع إعادته الشعاع المبعثر الصادر عن المرسلات الفكرية الباحثة عنه بصورة اعتباطية.

صرخ زاوير:

- أسرعوا إلي بالغطاء.

طرح غوتليب الشبكة المعدنية على زاوير.

- شكراً يا غوتليب, لقد عملت جيداً في هذه المرة. لقد أنقذتني. لو أنك تعرف ما الذي عانيته عندما جررت!.. خطوة إلى الأمام واثنتان إلى الوراء ...إحساس قذر! هل عاد كاتشينسكي؟

- واأسفاه, لا.

- المسكين كاتشينسكي! لقد هلك ... هلك في غير أوانه ... دونه لن نتغلب على شتيرنر.

- سنتابع النضال يا زاوير. نحن نعرف كيف نتعامل مع الآلات. وفي النهاية إذا لم ننجح في أسر شتيرنر بأمر فكري, فسنحاول الهجوم عليه بسلاح قديم في أيدينا. سنلبس فرقة كبـيرة ثياباً عازلة, ونتسلح حتى أسناننا, ثم نتسلل إلى المبنى. العزل سوف يحفظنا من الإشعاع, أما الرصاص فهو, ويا للسعادة, لا يتأثر بالإيحاء ... وسوف نجهز عليه!

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:21 pm








13 - "ليلة ممتعة إمتاعاً شيطانياً"





هرع كاتشينسكي إلى مبنى إلزا غليوك وهو يكاد يسقط من الإعياء.

من الواضح أنهم كانوا ينتظرونه. فقد فُتِحت الأبواب أمامه. دخل كاتشينسكي راكضاً إلى الطبقة الثانية وهو يقفز عبر عدة درجات. تنفس بصعوبة وهو يمسح العرق عن جبـينه, ثم دخل إلى غرفة المكتب واسترخى على المقعد خائر القوى. فُتِح الباب من غرفة شتيرنر, وظهر على العتبة إنسان مغطى كله بشبكة معدنية مع خمار معدني كثيف على رأسه, بحيث أخفى تماماً ملامح وجهه. كان هذا شتيرنر الذي سأل:

- ما كنيتك؟

- كاتشينسكي.

- بولوني؟

- روسي.

صمت شتيرنر ثم بدأ بعد توقف:

- أنت أسيري. أنت تعلم أنه يمكنني إيقاف تنفسك فتموت ميتة مؤلمة نتيجة الاختناق. يمكنني أن أصنع منك عبداً مطيعاً. يمكنني أن أفعل بك كل شيء.

أجاب كاتشينسكي:

- أعرف. وهل هذا يجلب الارتياح إليك؟

صمت شتيرنر مجدداً:.

تابع كاتشينسكي:

- الحرب لا تعرف الرحمة. سيقضى عليّ وأنا أعرف هذا, لكن سيقضى عليك أيضاً. وإذا كان الأمر منتهياً معي فلم أعد شخصياً أشكل خطراً عليك, فاسمح لي بوصفي عالماً, أن أتوجه إليك بطلب.

- تكلم.

- أريد معاينة اختراعك. فمن المهم أن أعرف أي طريق سلكت في أبحاثك, وكيف صممت أجهزتك.

تعجب شتيرنر وفكر قليلاً, ثم اقترب من كاتشينسكي ومد يده نحوه, لكن كاتشينسكي لم يقبل مصافحته. تراجع شتيرنر إلى الخلف وأخفى يده تحت الشبكة ثم سأل بسخرية:

- هكذا إذاً! هل الجميع هناك عندكم في روسيا أبطال هكذا؟

أجاب كاتشينسكي ببساطة:

- أنا لا أرى بطولة في رفضي مصافحتك. نحن نقف على نقيضين, ويدي بعيدة جداً عن يدك. هذا كل ما في الأمر.

- حسناً. سألبي رغبتك, وربما أتركك حياً حتى الصباح, إذا وافقت على إعطاء أمر لزملائك كي يوقفوا إشعاعهم حتى الساعة التاسعة صباحاً.

فكر كاتشينسكي. ففي نهاية الأمر لا قيمة لعدة ساعات من "الهدنة". ثم إنه يريد إخبار جماعته أنه حي.

- أنا موافق.

قاد شتيرنر كاتشينسكي إلى غرفته حيث نُصِبَت المحطة المشعة للأفكار.

سأل كاتشينسكي موجهاً انتباهه إلى صندوق صغير صُنِعَ من شبكة سلكية يمكن لشخص أن يقيم فيه بوضعية الجلوس:

- وهذا ماذا يكون؟ هل مررت أيضاً عبر هذا؟

أجاب شتيرنر:

- نعم, هذا قفصي الحديدي الذي استخدمته في تجاربي, كي أثبت وجود الأمواج الكهرطيسية التي يُشعّها الدماغ.

قال كاتشينسكي:

- عجيب! لقد سلكنا طريقاً متماثلة!

- لكن طريقينا افترقتا. تفضل بإشعاع أمر لأركانك.

ركّز كاتشينسكي فكره أمام الجهاز وأرسل الأمر. تأكد شتيرنر في الحال بوساطة التسجيل الآلي من صحة الإرسال. وبعد أربع ثوان قدم الشريط ذاته إجابة:

شعَّ زاوير فكرة "برهنوا أن المتحدث هو كاتشينسكي"

أرسل كاتشينسكي محتوى أحاديثهم الأخيرة, وكذلك محتوى لقائهم في موسكو. وكان واضحاً أن زاوير قد اكتفى.

"لن يحدث أي إشعاع أو هجوم حتى التاسعة صباحاً.

زاوير"

قال شتيرنر:

- هيه, هذا رائع. الآن سوف أحبسك في غرفة المكتب كي أريك جميع مخططاتي. سوف تقضي ليلة رائعة!

أغلق شتيرنر باب غرفة المكتب بوساطة القفل ووضع المفتاح في جيبه.

- اجلس ها هنا قرب الطاولة. ينبغي أن أُرسل شيئاً ما من غرفتي.

- لكني آمل ألا تستخدم الهدنة للإساءة إلينا؟

- لا تقلق. هذه الرسالة الفكرية سوف تكون, كما يقال, ذات طبـيعة خاصة عائلية.

ابتسم شتيرنر ابتسامة خبـيثة وذهب إلى غرفته. ضجَّ محرك في مكان ما في الأسفل, ثم خرج شتيرنر من غرفته بعد ربع ساعة فاستل حزمة من الرسوم من الخزانة وألقاها على الطاولة.

-هيه, وهذا أنا! تمتع! هنا تجد كل شيء وصولاً إلى مخطط المبنى. أنت ترى أنني لا أُخفي شيئاً. لقد وضعتُ آلات الدينامو الجبارة في القبو.

صمت شتيرنر وتمشى في غرفة المكتب, ثم سأل كاتشينسكي بعد أن استدار بعنف:

- ألست مندهشاً من سلوكي؟ فأنا لم أقتلك وعرضتُ عليك, يا عدوي, أن تتعرف على أسراري العسكرية. على هذه المخططات.

- كلا, لست مندهشاً. إذا كنتَ لم تقتلني وعرضت علي إمكان التعرف على هذه الخطط فهذا يعني أنه يوجد لديك تصوراتك بخصوص هذا. ولذلك فإنني لا أتعجل في إبداء الدهشة أو الشكر على فعلتك "السخية".

- أنت محق, فأنا أتصرف كذلك ليس بدافع السخاء.

صمت شتيرنر, كما لو أنه تردد في كشف سبب سلوكه أمام كاتشينسكي. ثم قال ببطء, كما لو أنه فعل رغماً عنه:

- لقد خسرتُ المعركة.

أجابه كاتشينسكي بسرعة:

- من المفهوم أنك خسرت. منذ ذلك الحين الذي كُشِفَ فيه سرك. فهو معلوم الآن ليس فقط مني. لقد انتهى احتكارك. سلطتك انقسمت على اثنين والصراع اللاحق ...

صرخ شتيرنر وخبط الأرض بقدمه:

- كذبٌ! فأنا لم أستعمل بعد جميع وسائلي. لقد سرتُ بعيداً على طريق تطوير أجهزتي مقارنة بكم. فأنا أملك أيضاً اختراعاً تجهلونه. مراكمة أمواج وأفكار ملايين الناس, والمقويات الهائلة ... ولو أنني استخدمت كل هذا الآن لكنتُ قد سحقتكم وأخمدت أزيز البعوض الذي تمثله إشعاعاتكم الفكرية, مثلما تُخمِدُ محطة لاسلكية خارقة الاستطاعة اللعثمة الضعيفة الصادرة عن أقزام لاسلكية. أنا محطة ذات استطاعة خمسين ألف كيلوواط, أما مواردكم بالمقارنة مع استطاعتي ...

- ومع ذلك فأنت مهزوم.

- ليس هناك حيث تفكر. ليس في مجال التقـنية …

- أين إذاً؟

- لقد أخذتُ على عاتقي حملاً يفوق طاقتي. فالأمر الذي باشرته كان سخافة. فكي أسيطر على العالم مثلما رغبت أن أفعل, كان ينبغي أن أصبح آلة لإشعاع الإرادة. لكني لا أعدو كوني إنساناً. لقد خارت قواي. لقد استنزفت إرادتي من الناحية الفيزيائية البحتة باستنزافي لاحتياطي طاقتي العصبـية. هاكم واحداً من أسباب هزيمتي. الآن يستوي كل شيء طبعاً! خذ هذه الرسوم. استخدمها كما تريد. اجعلها ملكاً عاماً.

نظر شتيرنر إلى الساعة وارتجف.

- هذا كل شيء. نفذ شروطنا بدقة. فهذا ضروري جداً بالنسبة إليّ. على كل حال سأقفل عليك ولا داع للشكوى, وإضافة إلى ذلك سأترك هؤلاء الحراس.

وأشار شتيرنر إلى ثلاثة كلاب ضخمة من الجنس النمري.

- إنهم يستطيعون تنفيذ الأوامر. ولتأخذ بالحسبان أنه لدى أول محاولة منك للتسلل إلى غرفتي أو محاولة الهرب, فإنهم سوف يمزِّقونك إلى أقسام.

خرج شتيرنر من غرفة المكتب وأغلق الباب من الخارج.

فتح كاتشينسكي الرزمة الكبـيرة, التي حُفِظت فيها الأوراق المبقعة بحسابات وصيغ رياضية ومخططات وتصاميم ورسوم تخطيطية. كل هذه اللغة الاصطلاحية التي لا يفهمها غير المُطّلعين كانت واضحة ومفهومة لكاتشينسكي. لقد تحولت الأرقام والصيغ إلى أفكار, والأفكار إلى أنماط. وعكست أعمدة الأرقام والحروف المتناسقة عمل المنطق المتين للدماغ الذي صاغها. افتـتن كاتشينسكي بأصالة المنهج وجمال الفكرة وجرأة البناء, مثلما يفتـتن لاعب شطرنجي بدور لأستاذ شطرنجي. غاص كاتشينسكي بسرعة في التصاميم ونسي كل شيء في الدنيا.

وجد كاتشينسكي بـين كومة الورق دفتراً للكتابة. كان هذا شيئاً يشبه دفتر مذكرات خطها شتيرنر. ملاحظات عابرة دون تواريخ. مقاطع أفكار وكروكيات رسوم تخطيطية أنشأتها يد متعجلة. شواهد من الكتب. حسابات منزلية. عاين كاتشينسكي عدة صفحات ثم همس:

- ومع ذلك فهذا أمتع مما ظننت.

وأخذ يلتهم الصفحة تلو الأخرى ...

"ما الذي سيجلبه العام الجديد؟ كنتُ عند هيري! البروفيسور منحرف المزاج. الشمبانزي فريتس مرض وجرحَ يد هيري (عضَّها).

قرأت "أساريع على الشجرة". إذا بدأنا نُزعجُ أسروعاً فأخذ يتقلص, فإن الأساريع المجاورة ستبدأ بتقليص عضلاتها أيضاً, وستتلوى! كيف نعلل ذلك؟

تحسّنَ فريتس والتأمت يد هيري.على ما يبدو فإن العجوز قد خاف من تلوث الدم. حدثته عن الأساريع فأفضى بتعليلاته الضبابـية فقط دون أن يشرح شيئاً. الفعل المنعكس الشرطي. تماماً مثلما يبكي الأطفال عندما يرون طفلاً باكياً آخر. لكن هنا تكمن القضية, فالأساريع تتلوى, إذا صدّقنا الخبر, دون أن ترى ذلك الذي نزعجه بالأصابع.

سلبتني الغسّالة: ثلاثة ماركات وخمسة وعشرين بفينيكاً من أجل الغسيل! ينبغي البحث عن غسّالة أرخص. لم يكفني من أجل الكتاب.

تمكن أرينيوس (الذي لا أستطيع شراء كتابه بسبب الغسًالة) من ملاحظة أن جزيئات الأملاح المحايدة بالمعنى الكهربائي, المنحلة في المحاليل الحاوية في تركيبها على أملاح وحموض أو أسـس, والناقلة للتيار الكهربائي ناقلية جيدة, تتحلل إلى أقسام كهربائية مشحونة حصلت على اسم الشوارد (هاكم الشاردة – "الجوّال", الإلكترون المتشظي) ...

المالك يطالب بإيجار الشقة. يتوعدني بالطرد. ينبغي الشروع بالترجمة مجدداً.

أطعمنا الكلب الرومي بوجود الموسيقا. عزفتُ على الناي. ثبتَ الفعل المنعكس الشرطي. بعد العمل قام البروفيسور هيري بنزهته المعتادة ورافقني.

حدثني أثناء الطريق عن شيء طريف.

إنه يؤكد أننا لو أخذنا زوجاً من الحشرات ذكراً وأنثى وفرقناهما, فوضعنا الأنثى في قفص صغير, ونقلنا الذكر لمسافة بعيدة خارج المدينة وأطلقناه هناك, فإن الذكر سيصل طائراً إلى الأنثى. كيف يجد الطريق؟ يقول البروفيسور هيري إن الذاكرة البصرية متطورة جداً لدى الحشرات, وأنه لا شيء عجيب في هذا. حشرات كثيرة (النحل) تملك مثل تلك الذاكرة. لكن يتهيأ لي أن هذا بعيد الاحتمال. وحالما تظهر الحشرات سوف أقوم بهذه التجربة, بحيث أنقل الذكر إلى خارج المدينة في علبة مقفلة.

استأصل هيري أحد نصفي دماغ الكلب. يبدو أن العملية لم تجر بنجاح كامل. الكلب المسكين ينبح نباحاً أكثر حزناً مما كان بوجود نصفي الدماغ. حقـنـته بالمورفين فهدأ. لاحظت أن تأثير المورفين المهدئ كان تأثيراً دورياً: هدأ الكلب تدريجياً, الفواصل بـين النوبات أصبحت أطول. وعندما كان المورفين يكف عن التأثير, فإن هذه الدورية كانت تلاحظ في استئناف الإحساس بالألم أيضاً.

تيسَّر لي الحصول على كتاب للترجمة. كيمياء. صعب. لكنهم أعطوني سلفة بالمقابل فأرضيت أكثر دائـنيّ إلحاحاً: مالك الشقة وبضمنها بـيت الكلب والحانوتي. يظهر أنه يوجد الكثير من الطرائف في الكيمياء. عرفت اليوم أثناء الترجمة أن الدورية تلاحظ في كثير من العمليات الكيميائية. مثلاً, إذا سكبنا زئبقاً في قارورة, وسكبنا فوق الزئبق بـيروكسيد الهيدروجين بتركيز محدد, فإن عملية كيميائية تبدأ بالحدوث بـين الزئبق وبـيروكسيد الهيدروجين, وتتمحور في أن بـيروكسيد الهيدروجين يتحلل إلى ماء وأوكسجين, وكما يبـين التسجيل, فإنه يلاحظ تباطؤ وتسارع دوريان في إطلاق الأوكسجين. وأكثر الأمور طرافة, أن السموم والمخدرات تقوم بتأثير فريد من نوعه على بنية الإنسان أيضاً بناء على هذا التفاعل الدوري. ألا يقول هذا, من حيث الجوهر, بأنه تجري في بنية الإنسان والحيوان مثل تلك التفاعلات الكيميائية بالضبط؟ أليس مدهشاً أن المورفين ينتج تأثيراً مهدئاً على التفاعل في قارورة المخبر مماثلاً لتأثيره على الكلب الذي أجرينا لـه العملية؟

العلوم المختلفة تتقارب تقارباً مفاجئاً في بعض الأحيان. أجريت مع البروفيسور هيري تجارب لدراسة عمليات التعب. تعب العين. الأرجوان الذي يتحلل في الضوء يستعاد في العتمة.

يمكن إيصال تهيـيج العصب إلى حد معين بالإثارة المتكررة, وبعد ذلك يحدث الارتكاس, ويكف العصب ببساطة عن الاستجابة للتهـيـيج. دورة حساسية العصب تتعلق بالتحلل الكلي للمادة الحساسة فيه (على سبـيل المثال, يتضح أن الأرجوان هو تلك المادة الحساسة في العين).

فيما يخص المراكز العصبـية المتوضعة أعلى النخاع الشوكي فإن تهـيـيجها بالكهرباء يستدعي "ردود أفعال" دورية لا تتعلق بدور التيار المؤثر وطبـيعة التهـيـيج. وتجري الإثارة الحركية المرسلة من المركز إلى العضلات من 16 إلى 30 مرة في الثانية. (دورية أيضاً, مثلما هي في العمليات الكيميائية).

يجد هيري عندي قدرات فائقة في ترويض الكلاب. وربما لو بدأت بالاستعراض في السيرك لكنت جنيت أكثر مما سأحصل عليه من الترجمة. الطريق لا تزال بعيدة للوصول إلى البروفيسورية! وما الذي ستقدمه البروفيسورية؟ لقد أسأمتني الحاجة.

12 أيار يوم عظيم! لقد تركت فراشة أنثى في قفص صغير لديّ عند النافذة المفتوحة, ونقلتُ الذكر في علبة مغلقة إلى خارج المدينة, وأطلقته هناك. خفت كثيراً من أن يتلف الذكر أجنحته فلا يعود قادراً على الطيران. في الحقيقة لقد تضررت قليلاً, ولكن الفراشة الذكر طارت في اتجاه المدينة. عدت ولم تكن قد وصلت بعد. لكن بعد نحو نصف ساعة وصلت الفراشة طائرة, وبدأت تحوم حول صديقتها الأسيرة. أطلقتُ سراح الاثنتين. كنت مصدوماً. كيف وجدت الفراشة التي أخذتها إلى خارج المدينة طريق العودة؟ لقد أُغلِقَ عليها بإحكام, ولم تر الطريق. هيري مخطئ. لقد عادت الفراشة مقودة بحاسة ما نجهلها. ما هي هذه الحاسة؟ وتذكرت أيضاً الأساريع. فبأي حاسة تعرف أن واحداً منها يتلوى بتشنج بـين أصابع شخص ما؟ فكرت طوال اليوم ... وفجأة تهيأ لي أنني حزرت الأحجية, وأنني على أعتاب اكتشاف ما ضخم. من المحتمل أن هذا هو ما يدعونه الغريزة؟ فهم مباشر فجائي. على أي حال لقد أدركت لاحقاً. عندما "لاحت" لي الفكرة فإن هذا لم يكن "إشراقاً" بعد, وإنما سعادة لا حدود لها نتيجة استشعاري بأنني الآن سوف أعرف شيئاً ما مهماً. طبعا لا يوجد شيء سرّي في الحدس, على الرغم من أننا لا نفهم كل الأشياء. يبدو لي أن الحدس هو تلك اللحظة عندما تـتجمع فجأة سلسلة كاملة من الانطباعات والأفكار والمعارف المتناثرة والمتراكمة ربما خلال فترة كبـيرة, فتدخل في اتصال فيما بـينها. يتكون هذا الاتصال في الدماغ. وتوصل كل هذه الأفكار إلى منظومة فتتوحد وتعطي نتيجة ما, فكرة ما جديدة. هكذا على الأقل ما حدث معي. الآن أستطيع أن أتتبع كيف وصلت إلى اختراعي. عندما فكرت بالفراشات والأساريع فإنني على الأغلب فكرتُ مازحاً بأنها ربما تتخاطب بوساطة اللاسلكي. طبعاً يجب أن تكون لديها محطتها اللاسلكية "الطبـيعية" الخاصة. من المحتمل أن قرون استشعارها هي هوائياتها. أعجبتني المقايـسة فتابعت التفكير بهذا. ولم لا؟ فراشتان فُرِّقتا تستطيعان التخاطب بالإشارات. لكن أي طاقة تستطيع إرسالها؟ لو تكون الكهرباء. لنتذكر محاليل أرينيوس الكيميائية المنتجة للشوارد أي للكهرباء. تجري عمليات كيميائية معقدة في عضويات الكائنات الحية وهي ترافق عمل العضلات وعلى نحو أساسي الأعصاب والدماغ. وتلاحظ في هذا العمل دورية معروفة. يعني أن المراكز العصبـية تحرر أو تشع الشوارد دورياً. تطير هذه الشوارد فتلتقطها المنظومة العصبـية لكائن آخر. و … وهاكم التخاطب اللاسلكي.

أنا لم أقم بكل الاستنتاجات بعد, لكني شعرت أن اكتشافي أعمق وأهم وأكثر شأناً من شرح بسيط لكيف تقابلت فراشتان مفرَّقتان. لقد أعطتني الفراشات اتجاهاً جديداً فقط لأفكاري. من المحتمل أن الفراشتين وجدتا الطريق إحداهما للأخرى من دون مشاركة اللاسلكي. من الجائز أن الشم متطور لديهما, أو أنهما تملكان إحساساً بالاتجاه غير معروف لنا. الآن يمكن للفراشتين أن تطيرا وتفترقا وتتقابلا, وأن تجد إحداهما الأخرى بأي طريقة تريدان. لا توجد قضية لي مع الفراشات. عندي أجسام للدراسة أكثر أهمية: الحيوانات والإنسان ..."

فكر كاتشينسكي:

"عجيب, وصلنا أنا وشتيرنر إلى النتيجة ذاتها رغم أننا سلكنا طريقين مختلفين. الأصح أنه كانت عندي وعنده نقاط انطلاق مختلفة. لكن أنا وهو استفدنا من أجدّ الأبحاث في مجال الكيمياء والفيزيولوجيا والفيزياء. ولو أننا لم نعرف شيئاً عن اللاسلكي وعن نظرية الشوارد وعن علم الأفعال المنعكسة لما كنا هو وأنا قد اخترعنا واكتشفنا شيئاً. الآن أفهم لماذا يقوم العلماء الذين يعيشون أحياناً في نهايات متعاكسة من الأرض بالاكتشاف ذاته, ويمكن القول يوماً بـيوم وساعة بساعة ...".

ثم كتب شتيرنر في دفتر يومياته:

"... سرتُ عدة أيام مثل المخبول. لقد قمت باكتشاف علمي. هل أتحدث أو لا أتحدث عنه مع البروفيسور هيري؟ لم أحتمل فحدثته ربما حديثاً غير مترابط تماماً ودون وضوح. لكنه على ما يبدو استوعب فكرتي الأساسية ذاتها. نظر البروفيسور بسخرية إليَّ من فوق نظارته الصغيرة, وانضغط فمه الخالي من الأسنان في ابتسامة, بحيث أن شاربـيه وقسماً من لحيته أسفل الشفة السفلى انتصبت مثل أبر القنفذ وقال:

- أنت تؤكد أنك ها ... أن الدماغ الإنساني العامل, أي المفكر, يُشِعُّ أمواجاً لاسلكية. ولهذا يمكن إرسال الأفكار عبر المسافات؟

- الأصح القول إنه لا يتم إرسال الأفكار ذاتها عبر المسافات, وإنما تلك الأمواج الكهربائية التي يُشعُّها الدماغ. كل فكرة, كل مزاج "يُصدِرُ" موجته الخاصة ذات الطول والتردد المحددين. يلتقط هذه الأمواج الكهربائية دماغ آخر "فيظهره" في الوعي مثل تلك الفكرة أو ذلك المزاج الموجود عند المرسل.

أصغى هيري بانتباه وهز رأسه مؤكداً, وعندما انتهيت نطق بوضوح:

- هراء! لا تغضب, لكن هذا هراء يا صديقي الشاب. أنت كنت ميالاً دائماً للاستنتاجات المتسرعة. وإذا استمررتَ في السير على هذه الطريق فلن يخرج منك عالم جَدّيٌ أبداً.

غضبت أنا:

- لكن لماذا هراء؟

- لأن هذا غير علمي. وغير علمي, لأن هذا غير مبرهن بالتجربة. هيه ها أنا ذا وأنت نقف على مسافة خطوتين أحدنا من الآخر. حاول أن ترسل فكرة ما إليَّ.

تكدرتُ قليلاً.

- لأجل ذلك ينبغي أن تكون "محطتانا", أي الدماغ والأعصاب, ذات توليف واحد.

- وماذا في ذلك, ولّفها!

- لا يجوز توليفها.

قام هيري بإيماءة ظافرة.

- اسمح لي فأنا لم أنته بعد. لا يجوز توليفها كما يتم توليف المستقبل اللاسلكي. لكن يحدث توليف واحد لدى الناس وثيقي الصلة. هل هي قليلة الحالات التي يتحدثون عنها ...

- حول الرؤية عن بعد, والتخاطر, واستحضار الأرواح, وتدوير الطاولات وغيرها من الهراء ؟ حذار يا صديقي الشاب فقد وطئت طريقاً زلقة جداً.

- لكن لا يوجد شيء مشترك بـين نظريتي وكل هذا الهراء!

كنت متكدراً, لكن لم تثبط عزيمتي.

مجدداً دون نقود ... هل يعقل أن يطردني المالك؟ ومع ذلك فأنا محق. لن أهدأ ما لم أبرهن لهذا الفطر العجوز هيري أنني محق. لكن كيف أُنظِّم التجربة؟

يعدونني بدفع أجرة الترجمة غداً.

وجدتها! هيري يتعجب من قدرتي على ترويض الكلاب. هو لا يعرف سر ترويضي. أنا لا أبني ترويضي على أساس الأفعال المنعكسة الشرطية,بل أسلك طريقاً أخرى. أنا أُوحي للكلاب.

ويكمن سر هذا الإيحاء في أنني سأسعى بوضوح وجلاء شديدين لنفسي أن أتصور كل الطريق, وكل حركة من الحركات التي ينبغي أن يفعلها الكلب وهو ينفذ أمري. حصلت بالأمس حادثة مضحكة. لقد أسـأمني هيري بهمهمته وتعاليمه, حتى إنني فكرت لو أن فيغا (الكلب الأبـيض, الذي يحب هيري إلى حد الجنون) يعضه. ووفقاً لعادتي, فقد خيَّلت لنفسي بوضوح أن فيغا سيركض نحو هيري وسيمسكه من ساقه. وماذا حدث؟ هرع فيغا حقيقة نحو هيري وهو ينبح نباحاً عالياً ومزَّق بنطاله. أليس هذا إرسالاً للفكرة عبر المسافات؟ تكدر هيري وخاف. سقط سلوك فيغا بتلك الدرجة من الحدية من دائرة كل الأفعال المنعكسة التي غرسناها فيه, بحيث أن هيري افترض جدياً أن السعار أصاب فيغا, فأجلس المسكين في قمرة معزولة وأخذ يراقبه. وضع أمامه الماء, وتعجَّب جداً من أن فيغا يشربه مثلما يحصل دائماً. الأمر مضحك لي, لكن فيغا ضجر في غرفته الضيقة المظلمة. وأنا لا أستطيع شرح سبب تصرفه. طرافة! لقد بحثت عن طريقة للبرهنة لهيري على إمكان إرسال الفكرة عن بعد, والآن ينبغي انتظار حالة أخرى. ومع ذلك يمكن صنع هذه الواقعة. فليعط هيري مهمة بنفسه, على سبـيل المثال, أن ينبح الكلب عدداً معيناً من المرات.

اقترضت عشرين ماركاً. دفعت أجرة الشقة.

لا يزال فيغا سجيناً. حاولت الإيحاء إليه عبر الجدار كي ينبح ثلاث مرات. لقد نفَّذ عادة أوامري الفكرية تنفيذاً صحيحاً. لكن إيحائي الآن لا يؤثر. ما الذي يعنيه هذا؟

وجدتُ السبب. جدار "الغرفة الضيقة المعتمة" مُنجَّدٌ بصفيحة حديدية والصفيحة تلامس أنبوب شبكة المجاري الذاهب نحو الأرض. عظيم. القدر ذاته يساعدني و "يقيم التجربة": إشعاعي الفكري يصيب الجدار الحديدي ويذهب إلى الأرض عبر تأريض شبكة المجاري دون أن يصل إلى الكلب. إذا صنعنا قفصاً حديدياً يمكن تأريضه أو عزله حسب الرغبة, وجلسنا في هذا القفص, وقمنا بالإيحاء للكلب من هناك فإن ...".

همس كاتشينسكي:

- مدهش! هاكم كيف ظهرت لديه فكرة صنع القفص الحديدي!

من الواضح أنه كان في دفتر يوميات شتيرنر فراغ جسيم, إذ إن التسجيل اللاحق كان يخص فترة خدمة المؤلف عند كارل غوتليب.

ثم كتب شتيرنر:

"رب عملي المحترم كارل غوتليب يحب الكلاب كثيراً. يا لغرابة هذا فقد "قاربتنا" الكلاب, وصنعت مستقبلي عند غوتليب. تعرفتُ إليه عند هيري. تبـيّنَ أنهما رفاق مدرسة ومن العمر ذاته, وهو الأمر الذي لا يجوز افتراضه أبداً عند النظر إليهما معاً: فهيري فطر عجوز, أما غوتليب فمُنوِّرٌ مثل الخيروفيم. اهتم غوتليب جداً بكلابي المروضة, وسألني أن أُعرِّج عليه. يأتي غوتليب لزيارة هيري مرة في العام على الأكثر, ولهذا فإنني لم ألتق المصرفي سابقاً. وها أنا ذا السكرتير الخاص لكارل غوتليب! هو مسرور مني وأنا منه.

انتهيت من العجوز هيري منذ مدة طويلة دون أن أبرهن لـه تجريـبـياً إمكان إرسال الفكرة عبر المسافات. وهذا أفضل. لقد قررت العمل مستقلاً, فهؤلاء العجائز ذوو الأسماء لديهم عادة نسب أعمال الشبـيبة إليهم. "أجريت تجارب في مخبر هيري ... تحت إشراف هيري ..." وانتهى.

كل المجد لهيري. على كل ما يهمني الآن ليس المجد وإنما شيء ما أكثر أهمية. لقد أجريت لنفسي تجربة إيحاء عبر قفص حديدي, واقتنعت دون جدال بأن الفكرة تترافق بإشعاع أمواج كهربائية. والآن ينبغي البدء بدراسة طبـيعة هذه الأمواج الكهربائية.

مشغول كل الانشغال. في الأمسيات أُصممُ جهازاً لالتقاط الأمواج اللاسلكية التي يُشعّها الدماغ الإنساني. وينبغي لهذا أن يكون مستقبلاً ذا حساسية غير عادية من أجل استقبال أمواج لاسلكية ذات طول متناه في القصر. سيكون المستقبل ذا مجال توليف على طول موجة يمتد من أربعين سنتيمتراً حتى المتر.

هاكم الرسم التخطيطي.

إلزا غليوك! فتاة ممتعة على نحو غير عادي. يوجد بـينها وبـين مستشارنا القانوني, لا أستطيع إطلاقاً حفظ كنيته, شيء ما لا هو بالمرِّ ولا هو بالحامض. ها هي ذي! زاوير! توجد بـين غليوك وزاوير علاقة ما لبقة تماماً, لكن ... أيحتمل أن يكون خطيبها؟ ما الذي وَجَدَته في هذا الشخص ذي الوجه المدوّر؟

إخفاقات! المستقبل لا يلتقط أمواج فكرتي اللاسلكية. سأعيد صنعه. أعمل الآن في الليالي. أما في الأمسيات فأدرس في الجامعة التشريح والفيزيولوجيا, لكني أدرسها من وجهة النظر الراديوتكنيكية. شيء خارق! الجسد الإنساني بمثابة محطة لاسلكية مرسلة ومستقبلة! شيء ممتع جداً!

لكن كي أدرس هذه المحطة اللاسلكية توَجَّب عليَّ البدء بدراسة علم التقنيات اللاسلكية. ليأخذها الشيطان. ربما سيبدو غداً أنه من الضروري للغاية البدء بدراسة علم الفلك! لا يزال من الجيد أن مالك الشقة لم يعد يضجرني الآن بتذكيراته عن ديوني. أعيش عند غوتليب, وأحصل على أجر جيد. أشعر أنني قارون بعد حياتي نصف الجائعة. وأملك إمكان الحصول على المواد الضرورية لآلاتي. إلزا غليوك. غليوك هي السعادة. من نصيب من ستكون غليوك؟ هل يعقل أن تكون للمُدوَّر؟

النحس مجدداً. أسمع صفيراً ما. ولولات. هل يعقل أنها "موسيقا الفكرة"؟ ينبغي أن أعزل الغرفة عزلاً أفضل عن العالم الخارجي كي لا تحصل أي تأثيرات غريبة.

وأخيراً ...

غليوك لا تعيرني انتباهاً. فيت دمية حية, جيدة لكنها فارغة. يبدو لي أنها مغرمة بزاوير, لكن قلبه مشغول بإلزا. لم يعد يوجد شك في هذا. لكن إيما؟ مأساة!

القضية تسير وتجري على ما يرام! لا يوجد شيء مدهش. نحن نُعبِّر عن أفكارنا بإشارات الأحرف في الرسالة والجريدة. الأفكار والمشاعر بالنسبة إلي الآن تملك لغة مختلفة ومسميات أخرى. طول الموجة هو نون والتردد هو إكس. الخوف. شعور الخوف لـه تلك الموجة اللاسلكية. السعادة تملك أخرى. يبدو أنني قريباً سوف أًحَضِّر المشاعر صنعياً, وسوف أرسلها عبر المذياع. ألا ترغبون في المرح أو البكا‎‎ء؟ من الطريف أن أحاسيس الحيوانات تملك أمواجاً كهربائية تُذكِّر بالأمواج الكهربائية الموافقة لدى الناس والقريبة جداً (الخوف والسعادة وغيرها).

كلا, كان هذا غير عادي أكثر من اللازم!!!

ليأخذه الشيطان! فهذه عبقرية! أنا ذاتي أرفع نفسي إلى مستوى العبقرية. لقد صنعتُ محطة لاسلكية صغيرة مرسلة, وبدأت أُشعُّ الموجة التي توافق شعور الحزن عند الكلب. يسجل جهازي الآن بدقة شديدة الأمواج الكهربائية التي يُشعّها دماغ الإنسان والحيوانات, وقد تجمَّع لديَّ "قاموس" كامل للأمواج - المشاعر - الأفكار. وهكذا شغّلتُ جهازي "الحاكي", أي محطتي المرسلة الصغيرة على المقام الحزين, فشعَّت أمواجاً لاسلكية عن حزن الكلاب. أجلستُ كلبي فالك بالقرب من المحطة على كرسي عازل كي يلتقط الأمواج الكهربائية التقاطاً أفضل. فماذا حدث؟ اكتأب كلبي فالك فجأة وأخذ ينبح! لقد التقط الأمواج اللاسلكية الخاصة بحزن الكلاب! ومن سعادتي أمسكتُ كلبي معانقاً, ودرتُ معه في الغرفة.

وعندما عدتُ أخيراً إلى رشدي قررت أن أُكرر التجربة, فأجلست الكلب وراء الحاجز. لكن فالك لم ينبح. من الواضح أنه يلتقط الأمواج اللاسلكية على مسافات قريبة فقط. وماذا لو ضخمنا استطاعة محطتي المرسلة؟ أنا لا أفهم إلزا غليوك بتاتاً. لكن لماذا تهمني بهذا الشكل؟ ربما أنا مغرم بها؟ حماقات! فلا متسع لديَّ لهذا.

غرابة غير عادية! لقد ولّفتُ ذاتي على المقام الحزين. سجّل جهازي الموجة التي أشعّها حزني. تملك الموجة ذبذبة معقدة نوعاً ما. ثم قمت بإشعاع تلك الموجة من جهازي المرسل الذي ضخّم الإرسال بصورة محسوسة. ولّفتُ نفسي على أكثر المقامات مرحاً, ورحت أنتظر النتيجة. شيء مدهش. لقد اكتأبتُ, والحقيقة أنني كنت جاهزاً كي أنبح مثل فالك. أنا ذاتي أرسلت لنفسي موجة الحزن. أما أعجب الأشياء, فهو أنني كنت أعي وعياً رائعاً أنه لا توجد عندي أي أسباب للحزن, وأن هذه الكآبة ذات "منشأ صنعي". هل يمكن أن نُسمّي هذا تنويماً مغنطيسياً ذاتياً؟ يبدو لي أنه يوجد شيء آخر في هذه الحالة غير الإيحاء أو الإيحاء الذاتي. الشيء المشترك مع التنويم المغنطيسي في هذه الحالة, هو تأثير هذه أو تلك من الأفكار أو الأمزجة فقط, وهو يبدو للعيان كما يقال. لكن هذا يُستدعى ميكانيكياً هنا: تُستدعى في الألياف العصبـية استدعاء صنعياً تلك العمليات الكهروكيميائية التي تترافق دائماً مع المزاج أو الفكرة الحاليين. ميكانيك مدهش!

ومع ذلك فكيف سأُجري تجاربي اللاحقة؟ كيف سأؤثر على الآخرين دون أن أقع شخصياً تحت تأثير الإشعاع؟ يوجد طريقان لأجل هذا: أولاً - الإشعاع الموجه, وثانياً - العزل (شبكة معدنية على الرأس).

الشبكة تساعد. سأبدأ العمل بالأمواج الموجهة. أي الهوائيات أنسب لهذا؟ لعلها من ذلك الشكل. من الضروري بناء هوائي وفقاً لنمط "المرايا البؤرية", التي تجمع الأشعة في محرق محدد. وبهذه الطريقة أستطيع تضخيم تأثير الإشعاع بصورة ملحوظة.

أنا لا أعطي الحرية لأفكاري, لكن رأسي يدور في بعض الأحيان: أي الآفاق تنفتح أمامي! إلزا!

تجربة الأمس. أصدرتُ أمراً فكرياً لفالك كي يجلب لي كتاباً من الغرفة المجاورة. التقطت المحطة المرسلة هذا الأمر وأشعّته. نفّذ فالك الأمر. رددت الكتاب إلى مكانه وكررت الإشعاع ميكانيكياً, أي أنني شخصياً لم أعط أي أمر فكري, لكني أصدرته بمساعدة مرسل تلك الموجة المماثلة لما في الأمر الفكري. جلب فالك الكتاب مجدداً. يُسَجل الجهاز هذه الأمواج اللاسلكية مثل صوت على أسطوانة الحاكي. وسيمكنني الآن أن أُرسل أوامر متكررة بدورة واحدة لعتلة.

قمت اليوم بتجربة ممتعة. حاولت فكرياً إرسال أمري لإنسان. يعيش عند غوتليب خادم عجوز, هانس. أمرته فكرياً أن يأتي إلى غرفتي. ركّزتُ كل قوة تفكيري, كما لو أنني تخيلت نفسي مكان هانس, ومشيت كل الطريق من غرفته إلى غرفتي. وبكلمة فقد تصرفتُ كما لو أنني أوحيتُ لفالك. لكن العجوز هانس لم يأت. لم يدهشني هذا. فقد نشأ بـيني وبـين فالك "بـيان" كامل - رابطة منذ مدة طويلة, كما يقول المنومون المغنطيسيون. ثم إنني كنت أُصدرُ الأوامر الفكرية لفالك من مسافات قريبة. والأمواج اللاسلكية المُشَعّة من دماغي ذات استطاعة متناهية الصغر, وغير كافية كي تصل إلى دماغ شخص آخر وتثير ذبذبات كهربائية ممائلة (أي أفكار وأنماط). ثم إنني وهانس شخصان مختلفان كثيراً. وببساطة فإن دماغه, أي محطته المستقبلة, لم تستطع التقاط الإشارات التي يرسلها دماغي. عندئذ أرسلت ذلك الأمر الفكري بعد تقوية استطاعة الإرسال من خلال محطتي اللاسلكية المرسلة. أعترف بأنني انتظرت ما الذي سيجري لاحقاً بقلق بالغ. ويا لغبطتي غير القابلة للشرح, فقد سمعتُ خطوات يوهان الخافقة: عنده قدمان كبـيرتان, وهو يمشي دائماً منتعلاً حذاء طرياً. فتح بابي دون أن يقرعه, وهذا شيء لم يحصل معه من قبل, وتوقف فجأة بذهول وحيرة. ما الذي سيواصل فعله؟ أنا لم آمره, وهو لا يعرف الآن كيف يعلل ظهوره.

قال وهو يبادل رجلاً بأخرى:

- اعذروني, لكني ... تناهى إلى سمعي أنكم ناديتموني.

أسرعتُ إلى تهدئة العجوز:

- نعم, نعم. أردت أن أعرف هل عاد السيد غوتليب من النادي.

أجاب يوهان الذي انفرجت أساريره:

- لم يعودوا بعد.

الآن لم يعد يشكُّ أن ظهوره كان بناء على ندائي, وزال من عنده شعور مزعج بسبب تصرفاته غير القابلة للتفسير.

- أشكرك, يمكنك الذهاب يا يوهان.

انحنى العجوز وخرج. أما أنا؟.. أنا جاهز كي ألحق به وأمسكه بسبب السعادة, وكي أدور معه في الغرفة مثلما فعلت مع فالك الذي نبح بسبب الحزن.

نجحت التجربة! فما الذي تعنيه؟ تعني أنني أستطيع أن آمر الأشخاص الآخرين. أستطيع إرغامهم على القيام بكل ما أريده. أنا أستطيع! أنا أستطيع كل شيء! أليست هذه القدرة الكلية؟ إذا أردتُ, فسيجلب الناس كل ثروتهم ويبسطونها عند قدمي. إذا أردتُ, فسينتخبونني ملكاً, إمبراطوراً. فليذهب التاج إلى الشيطان! إذا أردتُ, فستحبني أجمل امرأة ... إلزا! كلا, كلا... لن أفعل هذا. شتيرنر أنت تُضيّع عقلك! تماسك يا شتيرنر, وإلا فإنك سترتكب حماقات! شتيرنر! طالب فقير منذ فترة ليست بعيدة, ثم طالب دراسات عليا لدى البروفيسور هيري ... إنسان عادي متوسط ذو وجه طويل بشع نوعاً ما ... وها أنت ذا تحلم بالسلطة والمجد والحب فقط لأنك سُعِدتَ مصادفة بالوقوع على اكتشاف علمي مهم؟!

بالأمس كنا في نزهة: أنا وإلزا غليوك وإيما فيت وزاوير. يبدو أنني نطقت كثيراً من الكلمات الزائدة بطريقة نصف هزلية ونصف جدية, وعرضتُ الزواج على إلزا. وهذا ما كان ينبغي انتظاره … لكن لنفرض أنها لا تمزح معي! على كل فهي لا تمزح. لماذا ينظر زاوير فقط نظرة المنتصر؟ تحكني يدي كي أختبر عليه قوة مرسلاتي الفكرية".

" ما أطول المدة التي لم أكتب فيها! زوجتي تكتئب مجدداً. ينبغي أن أقوّي أيضاً استطاعة مرسلاتي. لقد باشرت لعبة ضخمة. إما أن ألوي رقبتي أو … لماذا لم أستمع إلى أصوات التعقل؟ تأخر الوقت الآن كي أتوقف, فقد قادتني اللعبة بعيداً جداً. لقد تعبتُ وأُنهكت قواي بسبب الإجهاد الدائم. فليأخذني الشيطان! كان من الأفضل ألا أترك البروفيسور هيري!

الحرب !..

يكفي! تعبت تعباً شديداً. حان وقت إنهاء اللعبة ...".

المصدر : منتديات مجالس الوفاء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:23 pm





14 - اللعبة منتهية





جلست إلزا غليوك في الحديقة الشتوية وقد تغطت كلها بخمار معدني رقيق.

اقتربت العاصفة الرعدية, وتردد دوي الرعد البعيد بصوت منخفض في القاعة المجاورة. كان الجو خانقاً. فكرت إلزا بلودفيغ مثلما تفعل دائماً, وارتعشت كلها عندما سمعت خطواته. وتعجبت جداً عندما خلع شتيرنر الغطاء المعدني عن جسمه فجأة بعد دخوله الحديقة الشتوية, واقترب منها وألقى الغطاء عنها أيضاً.

- اليوم يمكننا أن نرتاح يا إلزا من هذا الرداء الكريه. أف!

وتنهد بارتياح.

لم تر إلزا وجه شتيرنر منذ فترة طويلة, لذا تعجبت من كيفية تغيره. أنفه تًرَهَّف أكثر مثل أنف مريض اشتدت وطأة المرض عليه, وغاصت عيناه بعمق أكثر. أما شعر رأسه ولحيته فقد نما بشدة.

- لقد تغيرت كثيراً يا لودفيغ! من الصعب معرفتك!

ابتسم شتيرنر بخبث:

- هذا أفضل. ألست شبـيهاً في الحقيقة الآن بذلك الزاهد العجوز؟ لنذهب يا إلزا ... ستعزفين لي. فأنا لم أسمع موسيقا منذ فترة طويلة ... للمرة الأخيرة ...

دخلا إلى القاعة, فجلست إلزا وراء البـيانو وأخذت تعزف نوكتورن شوبان.

- انتظري يا إلزا … كفّي ... ليس هذا. كيف يمكنك أن تعزفي ذلك اللحن الحزين اللطيف عندما تقترب العاصفة الرعدية؟ هل تسمعين دوي الرعد؟ الرعد!.. إنه يبعث وينشط البعض ويحمل الهلاك للآخرين ... شتيرنر سيموت في ليلة هذا اليوم ...

نهضت إلزا باضطراب.

ما بك يا لودفيغ؟ أنت تخيفني!

- لا بأس … لا تصغي إلي … ستسمعين كثيراً أيضاً في هذه الليلة … ينبغي أن أتحدث عن الكثير من الأشياء أنا وأنت … ليكن عزفك أسرع … اعزفي لبـيتهوفن - الموسيقا الجنائزية بمناسبة موت البطل. البطل! ها - ها - ها!

عزفت إلزا.

سار شتيرنر في القاعة بخطوات كبـيرة وهو يعتصر يديه.

- الموسيقا الجنائزية بمناسبة موت البطل الذي نزع المجد منه … يقولون إن بـيتهوفن كتبه لمناسبة موت نابليون, ولكنه وقد خابت آماله فيه لاحقاً سمّى المارش ببساطة: "بمناسبة موت البطل". عن ماذا أردت الحديث؟

نظر شتيرنر إلى الساعة وقال:

- يكفي يا إلزا. فالدقائق محسوبة. قبليني الآن, قبليني بقوة, على نحو لم تُقَبليني فيه من قبل قط.

... انفصل شتيرنر عن شفتي إلزا.

- خداع حلو للنفس!

دقت الساعة الثانية عشرة ليلاً.

همس شتيرنر بصوت خافت:

- النهاية!

في هذه اللحظة شعرت إلزا بحدوث شيء ما غير عادي معها, كما لو أن غشاوة ما سقطت عنها, غشاوة مشابهة للشبكة المعدنية التي ارتدتها في الفترة الأخيرة. وتوضحت أفكارها إلى حد غير مألوف. وفجأة ومن جديد أصبحت إلزا السابقة التي كانت قبل موت كارل غوتليب. لقد انهار سحر ما. نظرت بتعجب إلى القاعة الكبـيرة غير المريحة الغارقة في الغسق. أضاء البرق وجه شتيرنر, فارتجفت وقد رأت أمامها وجهاً ملتحياً غريباً. وسألت بحيرة:

- ما هذا؟ أين أنا؟ من أنت؟

تابع شتيرنر هذا التغير بفضول مؤلم.

- هذه قاعة كارل غوتليب, الصيرفي المرحوم. عاملة الاختزال إلزا غليوك لم تكن هنا قط ... وأمامك لودفيغ شتيرنر. ألم تتعرفي عليَ؟ إلزا!.. أنا مخطئ بحقك ولا أسألك العفو. الشيء الوحيد الذي يبرر لي هو أنني أحببتك حقاً و ... أحببتك ... أحبك بعمق وإخلاص ...

تراخت إلزا على الكرسي المستدير بالقرب من البـيانو, ونظرت برعب تقريباً إلى شتيرنر وقد ارتدّت إلى الوراء.

مسح شتيرنر جبهته بـيده, كما لو أنه يستجمع أفكاره.

- لا تنظري إليَّ هكذا يا إلزا! نعم أنا أحبك. وهل أنا أول من دفعه الحب إلى الجريمة؟ لقد صارعتُ نفسي طويلاً. هل تذكرين حديثنا القديم أثناء النزهة في القارب؟ لقد تكلمتُ آنذاك عن القوة الجبارة التي امتلكتها. لقد سبقتُ الآخرين في اكتشاف طريقة إرسال الأفكار عبر المسافات. ووجدتُ بـين يديَّ قوة لم يملكها أي شخص في العالم قبلي قط. وقد ... داخ رأسي, إذ مرت فيه أضخم الخطط. واستخدمت هذه القوة كي أُوحي إليك بأن تحبـيني …

ارتدّت إلزا عنه برعب.

- وأَوحيتُ إلى زاوير أن يحب إيما. حرَّكتُ الناس مثل الدمى, سحبتهم بخيط فتراقصوا وفقاً لرغبتي. أردتُ الثروة فأتـتني. لكني ظللتُ حذراً طوال الوقت إلى أن اقتنعتُ تماماً بكلية جبروتي. سرتُ بطرق التفافية. المنحني! يقود إلى الهدف قيادة أصح. لقد تحدثت عن هذا آنذاك في القارب. وكي لا أثير الشكوك ضدي فقد عملتُ كي تحصلي أنت على ثروة غوتليب, وليس أنا. أما أنا … فقد حصلتُ عليك مع جهاز عروس جيد! ها - ها - ها!..

نظرت إلزا نحو شتيرنر بعينين متوسعتين.

- سببتُ الكثير من الشر للناس. لكن لا تظني أن الشر ذاته قد حمل إليَّ الغبطة. أردتُ أن أصبح عظيماً. تهيأ لي أن سلطتي دون حدود. كان يكفي أن أرغب في المجد, فيأخذ الناس بالتصفيق لي, ويتغزلون بأقل نتاجاتي موهبة. لكن هذا في نهاية الأمر إعجاب بالذات, وهو كذلك خداع للنفس مثلما هو الإيحاء إليك بأن تحبـيني.

وفجأة خفض رأسه وتابع بذلك الحزن في صوته:
- أنا شبـيه بتور. إلزا هل تذكرين الأسطورة الشعرية الاسكندنافية عن الإله تور؟ لقد عدَّ نفسه كلي القدرة مثلي. وبطريقة ما هامَ في البلاد التي عاشت فيها قبـيلة العمالقة. فأخذوا يسخرون من قامته القصيرة. غضِبَ تور, واقترح عليهم تجريب قوته. قال العمالقة: "اشرب الماء من هذا القرن". شرب دون نهاية, ولم ينته من الشرب. اقترح العمالقة عليه أن يتصارع مع عجوز, لكنه لم يستطع التغلب عليها رغم أنه غاص في الأرض حتى ركبتيه بسبب الجهد. كان القرن موصولاً مع البحر. حتى الإله تور لم يكن قادراً على شرب البحر. أما العجوز فكانت الموت ذاته. وأنا أردتُ, مثل تور, أن أشرب البحر. لقد أردتُ أن أقلب تاريخ البشرية وحدي, وأن أفرض إرادتي على ملايين "القطرات" في المحيط الإنساني. أردتُ أن أُبدِع شيئاً أشبه "بمصنع للسعادة" بوساطة آلاتي, لكني خلقتُ بدائل خرقاء فقط.

نظر شتيرنر بعصبـية إلى الساعة.

- يبدو أنني لا أقول المطلوب … وهكذا ينبغي أن أقول الكثير … لو أنك تعلمين يا إلزا كيف عانيتُ, مزروباً مثل حيوان في زاوية معتمة, محاطاً بأعداء لا نهاية لهم, دائم الحذر, بتوتر عصبي مستمر لا يضعف.

لو كان هناك صديق واحد على الأقل حولي - صديق مخلص ووفي ... لو أنك أحببتني حباً لم أصطنعه أنا! لكان من المحتمل أن أتابع النضال. لكني كنت وحيداً ... لقد تعبت تعباً لا حد له!..

صَمتَ شتيرنر وخفضَ رأسه.

نظرت إلزا نحو شتيرنر, وفكرت أنه لا يوجد شيء غامض ومخيف في هذا الوجه الممتقع والمنهك. هذا وجه مريض بضعف الأعصاب, وجه إنسان شديد التعب. ما الذي يمثله شتيرنر؟ من المحتمل أن يكون مخترعاً عبقرياً ومجرباً, لكنه الشخص العادي الذي اكتشف مصادفة طريقة إخضاع إرادة الناس الآخرين لإرادته, ففقد عقله تقريباً بسبب "جبروته". لقد قام بآلاف الحماقات, ولم ينتصر على "العالم", وسُحِق هو نفسه تحت ثقل خارج عن طاقته ألقاه على كاهله. فهمت إلزا هذا بمشاعرها أكثر منه بعقلها. شاهدت أمامها ليس بطل مأساة ولا إنساناً خارقاً, وإنما إنساناً يعاني ببساطة, والذي يعاقب بقسوة بسبب أخطائه. كان ذلك الشتيرنر مفهوماً أكثر من قبلها, وأثار فيها الشفقة فقالت بهدوء:

- لا بد أنك عانيتَ كثيراً!

- أشكرك! كلمات التعاطف هذه بالنسبة إليَّ أغلى من قبلات موحى بها صناعياً!.. نعم أنا ميت من التعب وأنا ...

توقف شتيرنر ثم قال بصوت خافت:

- قررت الاستنكاف عن الصراع. قررت وضع حد لكل شيء والقضاء على شتيرنر ذاته

أخرجَ الساعة مجدداً ونظر إليها.

- بقي لشتيرنر عدة دقائق كي يحياها.

نظرت إلزا إليه برعب.

- هل تناولت السم؟

- نعم, تناولت. لكن السم ليس عادياً تماماً. الآن سوف تعرفين هذا … لكن قبل القضاء على شتيرنر قررت التكفير قليلاً عن ذنبي تجاهك على الأقل. لقد أعدتُ إليك وعيك السابق. لقد أوحيتُ إليك في الساعة الحادية عشرة بأن تصبحي إلزا السابقة في تمام الثانية عشرة. سوف تنحسر عنك كل الحياة الاصطناعية مثل القشاوه. كوني حرة, كوني نفسك. نظِّمي حياتك كما تريدين, أحبي من تشائين, كوني سعيدة.

تنفست إلزا بعمق.

وتابع هو:

- وشتيرنر؟ ما العمل مع شتيرنر الذي يرفض الناس الشرفاء مصافحة يده؟ يجب أن يموت شتيرنر. لقد أعطيتُ أمراً لآلتي المرسلة للأفكار. لقد عيَّرتُها على الاستطاعة الكاملة.

نظر شتيرنر مجدداً إلى الساعة.

- في تمام الساعة الواحدة, بعد ست دقائق فقط ستُشِعُّ هذا الأمر المرسل من شتيرنر إلى شتيرنر. وسينسى شتيرنر أنه شتيرنر. سيفقد شخصيته, سينسى كل شيء كان في حياته. سيكون إنساناً آخر مكتسياً وعياً جديداً. سوف يكون شتيرن. سيذهب شتيرن من هنا إلى هناك, إلى حيث أمره شتيرنر بالذهاب, حتى إن شتيرن لن يشك أن وجود شتيرنر المقيّد سوف يزجُّ في القفص الحديدي لحياته الباطنة!.. إنه الموت ... موت الوعي!

سألته إلزا بهلع غير إرادي:

- لكنهم يستطيعون اقتناصك؟

- ومن سيعرف شتيرنر في هذا الفوضوي؟ لم يشاهدني أحد في هذا المنظر مع لحية. لقد فكرتُ بكل شيء مسبقاً. اليوم مساء لن يصدر إشعاع عن الأعداء. وحتى لو أنه حدث فلن يكون خطراً بالنسبة لشخص ما هو شتيرن. الإشعاعات موجهة, وينبغي أن تقهر وعي شتيرنر. وهو لن يعود موجوداً!..

نظرت إلزا نحو شتيرنر بعينين متوسعتين. فأمامها ينبغي أن يحدث سر تقمص ما.

- شيء آخر يا إلزا. عندما سأذهب, سينقلب كل شيء رأساً على عقب هنا. من المؤكد أنهم سينتزعون منك كل ممتلكاتك. لقد اهتممت بأن لا تحتاجي. ها هنا.

ناول شتيرنر إلزا رزمة.

- ستجدين نقوداً من أجل الطريق وعنوان أحد الأشخاص, لقد حولتُ إلى اسمه مبلغاً ضخماً من المال. الاحتفاظ به على اسمك خطر. لقد حصل على إيحاء شديد, وستكون النقود في سلام. اذهبي إلى هناك. المكان بعيد جداً, لكن هذا أفضل. يجب أن ترتاحي من كل الذي عِشْتِه. حان الوقت! الوداع يا إلزا!

- انتظر, سؤال واحد ... قل يا شتيرنر, هل أنت ... مذنب في موت كارل غوتليب؟

دقت الساعة الواحدة. وفجأة سرى التشنج في وجه شتيرنر. تدحرجت عيناه وأصبحتا عكرتين, فتمسك بحرف البـيانو متنفساً بصعوبة.

تابعت إلزا هذا التغير وقد انكمش قلبها.

تنهدَ شتيرنر وأخذ يثوب إلى رشده تدريجياً.

- أجب على سؤالي يا شتيرنر!

نظر شتيرنر إليها بحيرة كاملة وقال بصوت ما جديد مغاير وهادئ:

- المعذرة يا سيدة, ولكني لم أتشرف بمعرفتك. ولا أعلم عن أي سؤال تتحدثين؟

ثم انحنى شتيرنر وخرج من القاعة بخطوات رتيبة وغريبة.

كانت إلزا مصدومة. ولم يعد شتيرنر موجوداً.

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 4:50 pm






15 - عند حوض الأسماك المكسور





لم تنم إلزا إطلاقاً في هذه الليلة. انبلج الفجر وهي لا تزال جالسة في المكان ذاته قرب البـيانو. هزَّتها أحداث هذه الليلة. تمعنت في تلك العقدة العويصة والصعبة, في تلك الفوضى التي أدخَلَها شتيرنر إلى وعيها. تذكرت كل شيء عاشته منذ زمن موت كارل غوتليب: هربها الفاشل من شتيرنر, حبها المفاجئ له, السفر إلى مينتون. لكنها تذكرته مثلما تتذكر شيئاً غريباً, كما لو أنها قرأت كل هذا في رواية. وتذكرت بوضوح كذلك ذلك الزمن عندما كانت خطيبة زاوير. لكن شيئاً ما في لوحة الماضي هذه قد تغير. شعَرَت وهي تفكر بزاوير أنها لا تزال تحبه, لكنها تحبه بطريقة ما مختلفة: لقد أعتم مظهر زاوير. ما الذي حدث معه؟ هل تغير هو؟ أي إنسان هو عموماً؟.. ويا لدهشتها, فقد أدركت إلزا نفسها عند فكرة أنها لا تعرف زاوير من حيث الجوهر. كيف ستسير علاقتهما الآن؟.

انقطع تفكيرها مع ظهور إيما المفاجئ. كانت إيما متعبة وممتقعة وفي ثياب السفر. وقد صرَخَت وهي تندفع نحو صديقتها باكية:

- إلزا!

انهالت إلزا على إيما الباكية بالأسئلة:

- مرحباً, يا إيما! ما سبب بكائك؟ لماذا لم تبلغيني بقدومك؟ أين طفلك؟

- ابني هناك في الأسفل مع الحاضنة. لقد هجرني أوتو, حتى إنه لم يترك نقوداً, فبعت ثياباً وبعض الحلي لأجمع أجرة الطريق.

- تركك مع الطفل دون نقود؟

- لقد جنَّ تماماً. شعرتُ بنفسي تعيسة ووحيدة. ليس لي أحد غيرك ...

وفجأة نطقت إيما بصوت متقطع وبنوبة جديدة من البكاء الهستيري:

- لا تنتزعي أوتو مني! إنه يحبك ويحتفظ بصورتك وينظر إليها. أنا لم أتجسس عليه إطلاقاً. لقد دخلتُ مصادفة, لكنه طردني بفظاظة ... إنه يحبك!.. لا تنتزعيه. لديك كل شيء, وأنت تلك السعيدة. لديك الثروة وتحبـين لودفيغ. لماذا تريدين أوتو أيضاً؟

ابتسمت إلزا بطرف شفتيها, لكن عينيها بقيتا حزينتين. وفكرت وهي تنظر إلى وجه صديقتها الذي تـغير ونحل:

"المسكينة إيما, أين اختفت الحمرة التي غطت كامل وجنتيها وضحكتها الرنانة؟ الدمية المسكينة, ما الذي فعله أوتو بها؟ هل يعقل أنه عديم الحنان إلى هذا الحد؟".

ثم قالت بصورة جدية وهي تُمسِّدُ بيدها شعر إيما الذي تشعث:

- أنا لست أسعد منك. ولا توجد ثروة لديَّ. وأنا لم أعد أحب شتيرنر, وشتيرنر لم يعد موجوداً ...

نسيت إيما مصيبتها لدقيقة بسبب الدهشة :

- هل مات؟ لماذا لم تكتبي لي عن هذا؟ وهل الموتى لا يُحَبَّون؟ كم من الأخبار!..

ابتسمت إلزا ثانية, فأصبح وجه إيما حزيناً مجدداً, وقالت وهي تنشج:

- هذا يعني, هذا يعني أنك اعترفت لشتيرنر بحب زاوير, فقتل نفسه من القنوط. يعني أنك ستنتزعين أوتو مني؟

قالت إلزا بلطف:

- اهدئي أيتها الطفلة الغبـية. أنا لن أنتزع منك زاويرك, فهو زوجك ووالد طفلك.

أجابت إيما:

- هذا لا يعني شيئاً. لقد قال, لقد قال أكثر من مرة إن كل حبه نحوي كان إحدى الوساوس الشيطانية, وأنه لولا هذه الوسوسة لما أحب إطلاقاً تلك الحمقاء. وقال إنه يمكن فسخ ذلك الزواج. وإذا قال أوتو فهذا صحيح. فأنا غبـية حقاً. لكن فقط … حتى الأغبـياء يريدون السعادة!

ثم بكت مجدداً:

- بـيد أنه أحبني كما أنا! ولاحقاً … لاحقاً أصبح كما لو أنه يثأر مني لأنه أحبني.

ثم حدَّثت إيما إلزا عن تاريخ حبها قاطعة الحديث بالبكاء. لقد عانت طويلاً جداً في الوحدة, والآن تكلمت عن كل شيء آلمها. عن فظاظة أوتو وتعنته, عن سخرياته وتهكماته وإهاناته.

استمعت إلزا وتبرَّد قلبها لا إرادياً. لقد انتصب أوتو أمامها تحت ضوء جديد. لم يكن هذا "وسوسة". لقد تصرف هكذا بعد أن تحرر من سلطة شتيرنر. كان باستطاعته الكفَّ عن حب إيما. لكن هل يعقل أنه تنقصه اللباقة والتأدب وأخيراً الشرف البسيط, كي يردع نفسه عن ذلك التعامل مع زوجته. وفكرت إلزا وهي تتذكر حبها لزاوير:

"هل يعقل أن شتيرنر محق في رأيه بأننا دمى عمياء فقط بـيد الغريزة, التي يمكنها إجبارنا على أن نحب شخصاً ذا رأس حمار؟ يا للهول!..".

استمعت إلزا إلى صديقتها وهي تفكر بأمورها, وأنصتت إلى الضجيج المتزايد في الطبقة الثانية.

"ما الذي يمكن أن يكون هناك؟".

أما هناك فقد جرى آخر فصول الصراع.

لقد اقتحمت مبنى إلزا فصيلة مسلحة ببدلات معدنية واقية على رأسها زاوير وغوتليب.

ضرب زاوير باب غرفة المكتب بمقبض البارابـيلوم وصرخ:

- افتح يا شتيرنر وإلا سنحطم الباب!

سمع المهاجمون على نحو غير متوقع صوت كاتشينسكي الواصل من غرفة المكتب ونباح الكلاب.

- شتيرنر غير موجود, وأنا لا أستطيع فتح الباب. لقد أغلقه شتيرنر من الخارج عند ذهابه, ووضع الكلاب قربه.

- أهذا أنت يا كاتشينسكي؟ ألا تزال حياً؟

توجه زاوير إلى الجنود وأمرهم:

- اخلعوا الباب!

انقضت عدة أكتاف متينة على الباب فأخذ يتشقق. سُمِعَ خلف الباب نباح كلاب عنيف, ودسَّت الكلاب الكبـيرة أخطامها المكشرة المغطاة بالزبد في الشقوق الناشئة.

أردت عدة طلقات الكلاب في مكانها فتناهى صوت كاتشينسكي الهادئ:

- لماذا تقتلون الحيوانات؟

تمتم زاوير وهو يحشر نفسه في الثغرة المتشكلة:

- وهل كنتَ تفضل أن تمزقنا الكلاب؟

كان مندهشاً بعد أن رأى أن كاتشينسكي يجلس بهدوء خلف الطاولة سانداً رأسه بـيديه, فلقد عاين المخترع التصاميم بتركيز.

سأل زاوير:

- أين شتيرنر؟

أجاب كاتشينسكي دون أن يرفع رأسه:

- لا أعرف. لقد وعدني أن يعميني ويخنـقـني صباحاً أو بشيء من هذا القبـيل, لكن من المحتمل أنه قد نسي, أو أنه مشغول بشيء ما ...

ثم هتف بعد أن صفق بـيده التصاميم:

- هذا شيء رائع! لم يخدعني شتيرنر. لقد أمضيت ليلة ممتعة إلى حد شيطاني! شتيرنر هذا عبقري حقاً. رسم تخطيطي لهوائي, جهاز تقوية مع محولات, وصمامات مهبطية, ورسم تخطيطي لرابطة تحريضية مع دائرة طنينية لهوائي ...

تبادل زاوير وغوتليب النظرات: هل يعقل أن شتيرنر قد سلب كاتشينسكي عقله؟

قال زاوير:

- يجب تفتيش كل المبنى من الأعلى إلى الأسفل ووضع الحراسة على المحطات المرسلة للأفكار.

بدؤوا المعاينة من غرفة شتيرنر حيث توضَّعت واحدة من المحطات المرسلة للأفكار. وُجدَت المحطة الثانية المماثلة في الطرف الآخر من المبنى بالقرب من "معرض الوحوش". لم تكن المحطة تعمل فقال غوتليب:

- وهكذا أيها السادة. أنا أعتقد أنه لا خطر الآن, ويمكن أن نخلع أقنعتنا الواقية.

وكان أول من نزع الشبكة عن رأسه فاقتدى الآخرون به.

كان بـين الواصلين عدد من معارف غوتليب القدماء: المدعي العام, ورئيس الشرطة و"الجنرال الحديدي" الذي شارك في الحملة العسكرية ضد شتيرنر "بغرض دراسة الأساليب الجديدة في إدارة المعركة".

لقد باعد ما بـين يديه كما لو أنه يبرر فشل حملاته العسكرية السابقة ضد شتيرنر وقال:

- من كان يعرف أنه ينبغي ملاقاة شتيرنر بخمارات نسائية على الرأس؟

ثم قطب حاجبـيه الأشيبـين الكبـيرين وقال بحزن وهو يشير إلى كاتشينسكي:

- ها هم أولاء الآن قواد المستقبل. أنتم أيها السادة المهندسون. لقد انتهى دورنا! ما الذي سنفعله بالحربة إذا كان هذا الشيء يستطيع فتل الحربة إلى أي جهة؟

وأشار بعداء إلى الآلة التي بدت من خلال باب غرفة شتيرنر.

دخل زاوير إلى غرفة شتيرنر:

- ومع ذلك ينبغي إخبار الجميع بأننا استولينا على أسلحة التأثير الفكري.

ثم تمتم وهو ينظر بحيرة إلى تصميم مجهول لآلة:

- تفو, يا للشيطان.

واستدعى المخترع لمساعدته.

- كاتشينسكي, هل تفهم شيئاً ما في هذا؟

اقترب كاتشينسكي من الآلة وأخذ يدور الأذرع بثقة فعملت الآلة, ثم قال:

- ينبغي إرسال الشعاع الذي سيحرر كل من دحره شتيرنر.

أجابت عدة أصوات:

- صحيح!

وأخذ كاتشينسكي "يعالج عن بعد" كما عبَّر أحد الواقفين في الغرفة.

سأل زاوير أحد الجنود الذين فتشوا مكان القبو:

- هيه, ماذا هناك؟

فأجاب:

- شتيرنر غير موجود.

- ابحثوا في الطبقة الأولى! فتشوا كل شق!

توجه كاتشينسكي بحديثه إلى المدعي العام:

- معذرة أيها السيد المدعي العام, هل أستطيع أخذ هذه المخططات؟ لقد أعطانيها شتيرنر ...

- الآن لا أستطيع السماح بلمس أي شيء وأخذه من هنا. فكل هذا عبارة عن مادة للتحقيق. قد يجوز لاحقاً ...

أجاب كاتشينسكي:

- مؤسف جداً!

ثم فكر: "ومع ذلك فمن الجيد أنني أفلحت في التعرف على كل هذا وكتبت أهم الصيغ. سنقنع من دون المخططات. أما هم فعلى الأرجح لن يفهموا كل ما في الصيغ".

قال غوتليب:

- وأنا أيضاً أرغب في التوجه إليكم برجاء أيها السيد المدعي العام. من الضروري استدعاء فصيلة إضافية لحماية القبو الذي تحفظ فيه مقدَّرات ضخمة. أنا أفترض أنني أملك الحق في الإصرار على هذا بحكم كوني الوريث القانوني. وأعتقد أن مسألة حقنا بالتركة الآن لا تستدعي الشك أبداً.

أجاب المدعي العام:

- حقوقكم هي مسألة المستقبل. لكني لا أملك شيئاً ضد الحراسة المشددة.

تزايد تجهم زاوير وهو يستمع إلى هذا الحديث, فاقترب من غوتليب وقال بسخرية:

- ألم تركض كثيراً إلى الأمام يا سيد غوتليب؟ فكما يجب أن يكون معلوماً لديك علماً جيداً, فقد حكمت المحكمة بالتركة لصالح إلزا غليوك, وقد اكتسب القرار القوة القانونية.

- لكن يمكن أن يعاد النظر فيه في ضوء الوقائع المكتشفة مجدداً.

وفجأة صرخ الحليف حتى أمد قريب بعد أن افتضح:

- بأي صفة أنت تتدخل في هذه القضية؟ لقد ضللت الجميع كفاية! إذا وقفت في طريقي نحو التركة مرة أخرى فسأطلب أن يعتقلوك. لقد رافعت باسم غليوك, وهذا يعني أنك شريك في الجريمة!

احتدم زاوير:

- لكن مسألة سبب حرمان والدك المحترم من التركة ...

انقطع النقاش مع ظهور كرانتس الذي باعد يديه باضطراب.

- أوتو! ها هو ذا نفسه! هاكم أين حلقنا أنا وأنت يا غوتليب للسيد شتيرنر. ونظفنا ثوبه, قه... وحصلنا على البقشيش من إحسانه!

ثم التفت إلى المدعي العام:

- هل تذكر سعادتك الدليل المادي الذي قدمته إليك في السجن. هل تذكر قطعة النقود؟ إنها ذاتها هي جريمتي. ثمن الدم كما يقال. فعوضاً عن قتل السيد شتيرنر نظفتُ ثوبه!

- لا أحد سوف يلومك بسبب هذه الجريمة يا كرانتس. لقد سجنتَ نفسك كفاية, والآن ينتظرك عمل جدي. لقد قبضنا على القفص لكن الطائر فر. شتيرنر غير موجود.

قال كرانتس بمرح وهو يفرك يديه:

- سنجده, سنجده! سنستخرجه من تحت الأرض!

سُمِعَ صوت كاتشينسكي الذي نحى سماعة الهاتف وقال:

- أخبار محزنة. لقد هتفوا الآن من أحد المصانع بأنه ما إن توقف تأثير نفوذ شتيرنر حتى سقط مئات العمال مغمياً عليهم, من الواضح أنه حدثت ردة فعل بعد الإنهاك المرعب الزائد الذي ثبتهم فيه شتيرنر طوال الوقت. يطلبون مساعدة دونما إبطاء.

خرج زاوير المتجهم والغاضب من الغرفة, وصعد إلى الطبقة الثالثة, فوجد إلزا وزوجته في الحديقة الشتوية.

ارتمت إيما عليه صارخة بفرح:

- أوتو!

لكنه أبعدها عنه بفظاظة, ثم سأل زوجته بتجهم:

- من أين أنت؟ اخرجي. عليَّ أن أتحدث مع السيدة ... شتيرنر.

نظرت إلزا نحوه بلوم, ونظرت إيما نحو إلزا والدموع في عينيها كما لو أنها تقول: هل ترين كيف يتعامل معي؟

قال زاوير وهو ينظر نظرة عابسة إلى زوجته:

- هيه؟

تنهدت إيما وخرجت بخضوع.

قالت إلزا بلوم:

- أوتو زاوير, أنا لا أتعرف إليك.

قال زاوير باهتياج:

- إنها تعاستي! أنا لا أعرف كيف أنفصل عنها. يجب أن تعرفي أن حبي لها قد استُدعيَ صنعياً من قبل شتيرنر.

- هذا لا يعطيك الحق بمعاملتها هكذا, فهي ليست مذنبة في أي شيء. كما أنها أحبتك من قبل ليس بأمر من شتيرنر.

أجاب شتيرنر باهتياج كذلك:

- وأي علاقة لي بها؟ أين شتيرنر؟

- لقد خرج.

- إلى أين؟

- أنا لا أعرف. هو لم يقل لي, لكن من المؤكد أنه غير موجود في المبنى.

- أنت تكذبـين! أنت تخفينه!

نهضت إلزا.

- اسمع يا زاوير. إذا لم تتخل عن هذه النبرة فسأخرج حالاً.

أرغم زاوير نفسه على الهدوء اضطرارياً, وجلس بالقرب من إلزا, ثم قال بلطف تقريباً:

- اعذريني يا إلزا. لقد توترت أعصابي كثيراً في هذه الفترة. أنت تقولين إن شتيرنر غير موجود. يعني أنك حرة.

أجابت إلزا بهز رأسها.

- ما الذي يمنعنا الآن من أن نكون سوياً؟

- زاوير, لكنه يوجد عندك طفل وزوجة ...

- لا تحدثيني عنها يا إلزا!

أمسك يدها, فتجهمت إلزا وسحبتها بهدوء لكن بحزم. ليست الزوجة والطفل فقط هما من باعدها الآن عن زاوير. فالملامح الجديدة لمزاج زاوير جعلته غريباً. ومن الجائز أنها ليست ملامح جديدة. من المحتمل أن هذه الفظاظة والجفاف عاشا دائماً في داخله تحت غطاء اللباقة الباردة, وأنها فقط لم تلحظها قبلاً؟

شيء آخر أمسك إلزا. فشتيرنر كما عرفته في الليلة الأخيرة قد أذهل خيالها. لقد كان مجرماً, ومارس العنف على إرادتها الحرة ومشاعرها, لكنه سار عبر حياتها وترك أثراً. وتلك الهاوية من المعاناة التي كشفها لها في الليلة الأخيرة لم يكن بإمكانها ألا تهزها. لقد برهن بإعادة حريتها أن شيئاً من الاستقامة لا يزال كامناً في داخله.

لم يفهم زاوير ما الذي يعتمر في نفس إلزا, وظن أن الحياء الأنثوي فقط يتحدث داخلها.

قام بمحاولة أخرى لمسك يدها, وبدأ يتكلم بولع متزايد:

- قولي "نعم" يا إلزا وسنكون سعيدين. لقد عانينا كثيراً نحن الاثنين, لذا نستأهل حق السعادة. ثم تذكري يا إلزا, لقد سررتُ عندما اعتذرتِ عن التركة لأنني خفتُ أن أفقدك؟ أنا أعتقد أنها لن تقف حائلاً بـيننا الآن. شتيرنر غير موجود. فما الذي يمنعك من استخدام حقك؟ غوتليب؟ هذا الجرو لا يخيفني!

نظرت إلزا إلى زاوير ثم سحبت يدها مجدداً.

لاحظ زاوير في نظرات إلزا الدهشة والخوف, فأسرع يبرر وقد فهم هذا الخوف بطريقته:

- لا تظني أن ما يتحدث في داخلي هو الطمع. كلا, فأنا أحبك. أحبك فقط وليس ثروتك. لكن كوني عملية. وافهمي أن الجنة في كوخ هي حلم الشعراء. فكري بمستقبلك. أعطني وكالة, وأنا أتكفل بأن أنقذ على الأقل قسماً من ممتلكاتك بحدود ما خُصصَ لك في التركة.

نهضت إلزا ورفعت يديها كما لو أنها دافعت عن نفسها.

- كلا يا زاوير, كلا! لا تحدثني عن التركة! أنا لا أريد أن أعيش مرة ثانية كل هذه الكوابـيس. كل هذه الوساخة … لننهِ هذا الحديث … لقد تعبتُ جداً … لم أنم طوال الليل وبصعوبة أقف على ساقيّ ...

سأل زاوير عقب ابتعاد إلزا:

- لكن هذه ليست كلمتك الأخيرة؟

خرجت إلزا بسرعة دون أن تجيبه بشيء, وهرعت إلى غرفتها ثم عانقت إيما الباكية.

- لا تبكي يا طفلتي! أنا لن أنتزع منك أوتو, لكني أخشى أنك لن تفلحي في استعادته.

سألت إيما وهي تنظر إلى إلزا بعجز:

- أتظنين؟

قالت إلزا كي تعزي صديقتها رغم أنها لم تؤمن بهذه العودة:

- من المحتمل, لاحقاً ... والآن ينبغي أن نرتاح أنا وأنت. أنا لن أتركك. سنذهب إلى مكان بعيد كي ننسى كل شيء. لا تبكي! ينبغي أن تحافظي على نفسك فأنت لست وحيدة تماماً . لديك ابن وسنربـيه معاً. ستجدين سعادتك فيه.

- نعم, لنذهب. لا تتركيني يا إلزا!

تابع زاوير جلوسه في الحديقة الشتوية قرب حوض السمك وقد خفض رأسه. جلس متجهماً وغاضباً. وفجأة صرخ:

- آه, يا للشيطان!..

ثم ضرب على نحو غير متوقع لنفسه حائط الحوض الزجاجي بقبضته.

انكسر الزجاج فسال الماء. هبطت السميكات إلى القعر وفتحن أفواههن بشره وضربن الرمل الرمادي بأذيالهن ...

المصدر : منتديات مجالس الوفاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الطيب

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 13451612
الطيب


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310



 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 25w94010




 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) O1c1-d12


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10

رقم العضويه : 7
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 529
تاريخ التسجيل : 27/10/2011
تاريخ الميلاد : 10/10/1981
العمر : 42
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالسبت ديسمبر 10, 2011 2:28 pm





لا يهمني أن أمتلك قلوب الناس
المهم أن أترك أثر بقلوبهم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 12361612
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كتيابي

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Kateb_10
كتيابي


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :


















 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 29
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 290
تاريخ التسجيل : 05/11/2011
تاريخ الميلاد : 21/11/1978
العمر : 45
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالسبت ديسمبر 10, 2011 2:45 pm




 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 78610712

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رحيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Kateb_10
رحيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mus-510

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star311





 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 18
الجنس : انثى
عدد المشاركات : 278
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 16/11/1991
العمر : 32
الاقامه : اليمن
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالسبت ديسمبر 10, 2011 3:44 pm








 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Arbe_110

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عجيل

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Mushre10
عجيل


احترام قوانين المنتدى : احترام القوانين
الاوسمه :
 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Aa110


>{}{ مجالس الأسرة والمجتمع }{}<
مجلس عالم ادم

>{}{ مجالس التقنية و البرمجيات واخرى }{}<

مجلس الرسم والتصميم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 9star310

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Ww5a_111


 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Uouuuo10
رقم العضويه : 22
الجنس : ذكر
عدد المشاركات : 277
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
تاريخ الميلاد : 12/01/1984
العمر : 40
الاقامه : السودان
الساعه الأن :

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )    سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) Emptyالسبت ديسمبر 10, 2011 4:04 pm





مشكووووووووورين لمروركم

 سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني  ) 13691010
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سلطان العالم ألكسندر بليايف رواية مترجمة من الخيال العلمي ( القسم الثاني )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: >{}{ المجالس الادبيه }{} :: مجلس الروايات { قصص و روايات } و الخواطر وعذب الكلام-
انتقل الى: