حجية السنة
حظيت السنة النبوية بالعناية التامة والحفظ والرعاية ، وعمل الصحابة والتابعين وتابعيهم بها، فقاموا بحفظها حفظاً تاماً ، ونقلوها نقلاً غاية في الدقة والمنهجية ، فكانوا يتتبعون أحوال رواتها؛ فميزوا بذلك صحيحها من ضعيفها ، وذبوا الكذب عنها ، تحقيقاً لقول الرسول_ صلى الله عليه وسلم _ " إن كذباً علي ليس ككذب على أحد ، من كذب علي متعمداّ فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري في كتاب الجنائز، حديث رقم 1209
ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " .
.
وقد كان المسلمون يهتمون بسنة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ اهتمامهم بالقرأن الكريم ، وذلك لأنها مفسرة له تبين مبهمه ، وتفصل مجمله ، وتقيد مطلقة ، وتخصص عامه وتوضح أحكامه ومراميه كما قال سبحانه:"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون" النحل 44.
**فما هي السنة النبوية؟
السنة لغة: هي العبادة أو المنهج المتبع سواء أكان سيئ أو حسن.
السنة اصطلاحاً:هي كل ما ورد عن الرسول_ صلى الله عليه وسلم_من قول أو فعل أو تقرير أو صفة سواء أكانت خَلقية أو خُلقية وتعد المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
**وبخصوص عنوان موضوعي (حجية السنة ) ربما تسائل البعض عن معناه ، فحجية السنة : بمعنى الأخذ بها والعمل بمقتضاها وأنها وحي من عن الله سبحانه وتعالى والاعتقاد بحجيتها ، معنى لا لفظاً.
**مكانة السنة لدى المسلمين
تحتل السنة النبوية مكانة خاصة لدى المسلمين فهى تأتي بالمرتبة الثانية بعد القرأن الكريم وعلى هذا أجمعت الأمة في كل العصور.
وقد تعددت النصوص الشرعية التى تأمر باتباع السنة والعمل بمقتضاها ، مما يوجب علينا الاعتقاد بحجيتها وأنها لامصدر الثاني من مصادر التشريع الاسلامي بعد كتاب الله عز وجل، فحجية السنة الصحيحة كحجية الكتاب ، ومن واجبنا أن نعتقد أن كليهما وحي من عند الله عز وجل ، وإن كان وحي السنة بالمعنى دون اللفظ، قال تعالى:"وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى(4)" النجم.
**الأدلة على حجية السنة
اتفق العلماء على حجية السنة النبوية ، واعتبارها مع القرأن الكريم مصدرين أساسيين للتشريع في الاسلام فالسنة عند الأئمة الأربعة تعد مصدراً ثانياً بعد القرأن الكريم في الرجوع إليها لاستخراج الأحكام ، فهذا الإمام أبو حنيفة يقول:" إذا جاء الحديث عن النبي لم نحد عنه إلى غيره وأخذنا به" ، وقال الإمام مالك:"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ، وقال الإمام الشافعي:"إذا صح الحديث فهو مذهبي" ، وقال الإمام أحمد:" من رد حديث رسول الله فهو على شفا هلكة".
هذا وقد استند الأئمة الأربعة وغيرهم على حجية السنة، وضرورة العمل بها على نصوص شرعية قطعية الدلالة من القرأن الكريم والسنة وعلى ذلك تم إجماع الأمة.
فقد أورد القرأن الكريم أدلة كثيرة منها :
1) 1) قوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " النساء 59 ، قال الشافعي : أوجب الله تعالى على المؤمنين طاعة رسوله وما دامت طاعته واجبة فأقواله ملزمة لنا وإلا يعد المخالف عاصياً ، والله تعالى توعد من يعصي رسوله ، مما يدل على أن سنة الرسول حجة ينبغي الأخذ بها.
2) 2) قوله تعالى : " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون" النحل 44. ،
فالنبي مبين بسنته لكتاب لله عز وجل والبيان ضروري للأحكام فدل ذلك على وجوب العمل بالسنة النبوية وإلا ضاعت الأحكام.
3) 3) قوله تعالى:"وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الحشر 7
.، وهذه الأية عامة في كل شئ يأتي من الرسول من أمر أو نهي أو فعل أو قول ، فتكون السنة كلها واجبة الاتباع .
أما الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على حجية السنة فكثيرة، منها:
1) 1) قوله –صلى الله عليه وسلم- : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الرائدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد" رواه الترمذي في كتاب السنة ، حديث رقم 3991
رواه الترمذي و أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
.
2) 2) قوله –صلى الله عليه وسلم- : " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرأن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه" رواه أبو داود في كتاب السنة، حديث رقم 3988
==>رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2870)
.
وبعد هذا التوضيح يوجد سؤال وهو: كيف تدل الاية على وجوب اتباع السنة ؟
في قوله تعالى " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" أل عمران 31 .
الجواب: الاية توجه المسلمين وجميع الناس قائلة " إن كنتم تحبون الله حقاً فعليكم اتباع سنة النبي لأن ما جاء به من عند الله وبذلك يحبكم الله ويغفر ذنوبكم " لقوله :" ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه
".
وأيضاً في قوله":فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" النساء 65.
الجواب: الاية أفادت وجوب تحكيم الرسول فيما اختلف المسلمون وهذا دليل على وجوب اتباع سنته واتباع الأحكام التى وردت فيها وإن لم يكن الحكم موجوداً .
وقد أجمع المسلمون على وجوب العمل بالسنة والرجوع إليها منذ عصرالصحابة ،
ويقول الإمام الشافعي في ذلك : " لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم ، يخالف في أن الله عز وجل قد فرض علينا اتباع أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم – والتسليم لحكمه".
أما الدليل العقلي على حجية السنة فهو أمر بدهي يكاد لا يحتاج إلى بيان أو اثبات ، فالله تعالى قد فرض في كتابه فرائض مجملة كإقامة الصلاة والسنة قامت ببيانها وتفصيلها كماً وكيفاً ، ولولا ذلك ما عرفنا كيفية هذه الفرائض ، ومقاديرها .
قال ابن حزم :" لا بد من الرجوع إلي الحديث ضرورة ، ولو أن إمرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرأن ، لكان كافراً باجماع الأمة ، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلي غسق الليل وأخرى عند الفجر ؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة.
**دعوى الاكتفاء بالقرأن
بالرغم من الأدلة الواضحة على حجية السنة من القرأن الكريم وأحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأقوال العلماء وما يجزم العقل به ، إلا أن بعض المغرضين قديماً وحديثاً أنكروا حجية السنة ودعوا إلى الإكتفاء بالقرأن واحتجوا بأدلة يفسرونها حسب أهوائهم ؛ ليضلوا أنفسهم وغيرهم وزين لهم الشيطان أفعالهم ، فأضلوا عن السبيل.
ومما استدل به هؤلاء على دعواهم قوله تعالى :" وما فرطنا في الكتاب من شئ" الأنعام 38. وقوله تعالى :" ونزلنا عليك الكتاب تبيناً لكل شئ " النحل 89 . فهم يقولون : ما دام القرأن الكريم بين للأمة لم تعد بحاجة إلى السنة أو غيرها والحقيقة أن المقصود بالبيان هنا الأصول والقواعد لا الفروع والتفاصيل.
فلو كان فهم هؤلاء المتشككين لأيات الله صحيحاً فعليهم إثبات دعواهم بالاكتفاء بالقرأن ونبذ السنة من القرأن الكريم نفسه فأين الأيات التى تأمرنا بالاكتفاء بالقران ونبذ سنة النبى ، بل إن الأمر على عكس ما يقولون فلاأيات القرأنية التي أمرت باتباع الرسول وطاعته والنزول على حكمه وأمره كثيرة جداً وواضحة الدلالة بشكل لا لبس فيه ولا إبهام ، ثم إن المراد بالكتاب هنا ليس القرأن الكريم وإنما اللوح المحفوظ، ثم أليس النبي الكريم ناطقاً بوحي من رب العالمين ، ومعصوماً عن الخطأ والهوى ، كما قال تعالى : " {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) سورة النجم
.
والله سبحانهإذ تعهد بحفظ كتابه العزيز ، فإن هذا تعهد أيضاً بحفظ سنة نبيه بصورة مجملة ، لأن السنة بيان للقرأن الكريم ، فكيف يحفظ المبيَن وهو القرأن ولا يحفظ المبيِن وهو السنة؟ ولهذا رأينا كيف أن الله قيض لهذه السنة رجالاً يحفظونها ويذبون عنها كل كذب وادعاء فيميزون صحيحها من موضوعها وكان منهج المسلمين في حفظ السنة منهجاً علمياً فريداً ، امتازت به الامة الاسلامية على غيرها من أمم الأرض.
ثم إن القرأن الكريم قد أخبرنا عن كثير من الرسل بأن الله سبحانه أنزل عليهم الكتاب والحكمة في أيات كثيرة ، فما هي الحكمة التى أنزلها الله على رسله؟؟
ومن هذه الأيات قوله تعالى : " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً" الاحزاب 34. ففي هذه الاية وردت كلمة الحكمة معطوفة على الكتاب فدل ذلك على أن الحكمة غير الكتاب لأن العطف يقتضي المغايرة، ولم يأتينا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بشئ غير القرأن مما يحتم أن يكون المراد بالحكمة إنها السنة ، يقول الإمام الشافعي رحمة الله :" فذكر الله الكتاب وه القرأن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم يقول : الحكمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
**واجبنا تجاه السنة النبوية
إن أهمية السنة النبوية والمكانة العظيمة التى تحظى بها في الاسلام تتطلب:
1) 1) اعتقاد حجيتها وأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع الاسلامي ، وذب دعوى المشككين بحجيتها.
2) 2) بذل كل الجهود والأسباب لحفظها من الضياع فحفظ الله لها وللقران لا يعفينا من السعى لحفظها وتدريسها ، فقد سعى الصحابة لحفظ كتاب الله عز وجل من الضياع والتحريف مع أن الله سبحانه متكلف بحفظه.
3) 3)الاجتهاد في تنقيتها من الكذب والدس والوضع وتمييز صحيحها من ضعفها وهذا لا يقتصر على رجال الحديث والمتشغلين به فكل مسلم مطالب بالتحقق مما يرويه من أحاديث الرسول وسنته المطهرة.
4) 4) تدارسها وإحيائها والسعي إلي نشرها وتبصير الناس بها بكل الوسائل المتاحة ، تطبيقاً والتزاماً بأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع ، فرب مبلغ أوعى من سامع" رواه الترمذي في كتاب العلم عن رسول الله ، حديث رقم 2581 ، وقال حديث حسن صحيح
==>رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال رحم الله امرأ عن ابن مسعود وصححه الألباني
.
5) 5) التمسك بها والتزامها علماً واعتقاداً وعملاً وسلواً ، والتحلي بأخلاق أهلها ، فالعلم يراد للعمل وسعادة الإنسان في الدنيا والأخرة ، ولا يكون ذلك إلا بالتمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم - .
المصدر : منتديات مجالس الوفاء