كامب ديفيد
منذ ٢٦ عاما تقريبا.. سألت إسماعيل فهمي وزير الخارجية ـ الأسبق: لماذا عارضت اتفاقية كامب ديفيد؟ قال: لأن الأخطر من نتائج المعاهدة وآثارها لم يظهر بعد.. ولم أشأ أن أسأله: وما هذا الأخطر علي مصر.. ومتي يظهر؟ لأنه قال وقتها: إن إسرائيل أصبحت تعرف عنا الكثير.. وهذا الذي تعرفه يمس صميم أمننا القومي.
ولا أعرف ما الذي كان سيقوله إسماعيل فهمي.. لو كنت قد سألته عن النتائج الأخطر: هل هي ما جاءت في التحقيق الصحفي الممتاز الذي نشرته «الأهرام» يوم السبت الماضي، تحت عنوان: «الهروب إلي إسرائيل»؟
هل كان يتوقع إسماعيل فهمي مثلا.. أن يصل عدد الشباب المصري، الذي يعمل في إسرائيل، إلي عشرة آلاف مصري يعيشون في مدن بئر سبع وحيفا وتل أبيب.. والمئات منهم تزوج من إسرائيليات.. حسب الإحصاءات الصادرة عن دار الإحصاء المركزية الإسرائيلية؟
هل كان يتوقع مثل هذا العدد الكبير.. وما يفجره من تساؤلات وقضايا ومشكلات تمس أمننا القومي في الصميم.. خاصة مع تزايد قنبلة البطالة.. التي تدفع شبابنا اليوم إلي المخاطرة بالموت، من أجل البحث عن فرصة عمل أو الذهاب إلي إسرائيل، والبحث عن الاستقرار هناك؟
الخطير فيما نشرته «الأهرام»، أن المعلومات تشير إلي أن ١٣% من المصريين المقيمين في إسرائيل، يعملون في صفوف الجيش الإسرائيلي.. وهؤلاء من المؤكد حصلوا علي الجنسية الإسرائيلية.
ويشير التحقيق إلي نقطة أخري مهمة، هي أن أبناء المصريين الذين تزوجوا من إسرائيليات، ولم تكن قد سقطت عنهم الجنسية المصرية بعد.. هؤلاء يتمتعون بالجنسيتين المصرية والإسرائيلية معا.. ولا يمكن إسقاط الجنسية المصرية عنهم.. حتي ولو سقطت جنسية الأب بعد ذلك..
أي أن العبرة ـ كما قال اللواء عادل عفيفي، مدير مصلحة الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية ـ في جنسية الأبناء هي وقت الميلاد.. فإذا كان الأب مصريا وقت ميلادهم.. فلا تسقط عنهم الجنسية المصرية أبداً.. طبقا للقانون.
ويقدر عدد هؤلاء حاليا بالمئات من الأبناء.. فكيف سيتعامل معهم المجتمع المصري؟ وهل سيتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها المنصوص عليها في الدستور، مثل أي مصري آخر.. هذا في الوقت الذي يحتفظون فيه بالجنسية الإسرائيلية؟ كيف ستتعامل الدولة رسميا مع قضية مثل هذه.. هذا بخلاف المشكلات المجتمعية الأخري شديدة التعقيد؟
هل كان علي مصر دفع هذا الثمن، الذي توقعه إسماعيل فهمي منذ ٢٦ عاما.. أم أن الدولة تقاعست وتراخت في القيام بواجباتها وبدورها.. وسمحت باختراق أمننا القومي طوال هذه السنوات.. خاصة أن تحقيق «الأهرام» يشير إلي أن الطفرة الواسعة لهجرة الشباب إلي إسرائيل، حدثت عندما تولي الدكتور عاطف عبيد، رئاسة الحكومة، وأصدر تعليماته بتخفيف القبضة الأمنية علي إجراءات سفر الشباب إلي إسرائيل؟!
وهذا يثير أكثر من علامة استفهام.. لكنني أعتقد أن المسألة أكبر من عاطف عبيد.. ولا يمكن تحميل حكومته وحدها المسؤولية عن ذلك.. فما الذي حدث؟ ومن الذي أعطي التعليمات والأوامر بذلك؟ وهل ما جري تم بعلم الدولة، أم في غياب لها؟ لأنني لا أتصور أن تغيب الدولة في أمر خطير كهذا.. فمن هو عاطف عبيد لكي يتحمل المسؤولية بمفرده.. حتي ولو كان رئيسا للحكومة؟!
المصدر : منتديات مجالس الوفاء