اسباب الموت متعدده لا يحصل الموت إلا بانتهاء الأجل
يظن كثير من الناس أن الموت وإن كان واحداً، ولكن أسباب الموت متعددة. فقد يكون الموت من مرض مميت كالطاعون مثلاً، وقد يكون من طعن سكين أو ضرب رصاص أو حرق بالنار أو قطع رأس أو وقف القلب أو غير ذلك. فهذه كلها عندهم أسباب مباشرة تؤدي إلى الموت، أي يحصل الموت بسببها. ومن اجل ذلك اشتهرت على لسانهم عبارة " تعددت الأسباب والموت واحد".
والحقيقة هي أن الموت واحد، وأن سببه واحد أيضاً وهو انتهاء الأجل ليس غير. وأما هذه الأشياء التي تحصل ويحصل من جرائها الموت فهي أحوال يحصل فيها الموت وليست أسباباً للموت ..
وذلك أن السبب ينتج المسبب حتماً، وأن المسبب لا يمكن أن ينتج إلا عن سببه وحده. بخلاف الحالة فإنها ظرف خاص بملابسات خاصة يحصل فيها الشيء عادة. ولكنه قد يتخلف ولا يحصل. فقد توجد الحالة ولا يحصل الموت، وقد يحصلالموت ولا تحصل الحالة .
والمتتبع لكثير من الأشياء التي يحصل فيها الموت، والمتتبع للموت نفسه، يجد أنه قد تحصل هذه الأشياء ولا يحصل الموت، وقد يحصل الموت ولا تحصل هذه الأشياء. فمثلاً قد يضرب شخص سكيناً ضربة قاتلة ويجمع الأطباء على أنها قاتلة ثم لا يموت فيها المضروب بل يشفى ويعافى منها. وقد يحصل الموت دون سبب ظاهر كأن يقف قلب إنسان فجأة فيموت في الحال دون أن يتبين أي سبب لوقوف هذا القلب لجميع الأطباء بعد الفحص الدقيق.
والحوادث على ذلك كثيرة يعرفها الأطباء وقد شهدت منها المستشفيات آلاف الحوادث. يحصل سبب يؤدي إلى الموت عادة جزماً ثم لا يموت الشخص، ويحصل موت فجأة دون أن يظهر أي سبب أدى إليه. ومن أجل ذلك يقول الأطباء جميعاً أن فلانا المريض لا فائدة منه حسب تعاليم الطب ولكن قد يعافى وهذا فوق علمنا. ويقولون أن فلانا لا خطر عليه وهو معافى، وتجاوز دور الخطر، ثم ينتكس فجأة فيموت. وهذا كله واقع مشاهد محسوس من الناس ومن الأطباء. وهو يدل دلالة واضحة على أن هذه الأشياء التي حصل منهاالموت ليست أسباباً له، إذ لو كانت أسباباً لما تخلفت، ولما حصل بغيرها. فمجرد تخلفها ولو مرة واحدة، ومجرد حصول الموت بدونها ولو مرة واحدة يدل قطعاً على أنها ليست أسباباً بل حالات، وسبب الموت الحقيقي الذي ينتج المسبب هو غيرها وليست هي.
وهذا السبب الحقيقي لم يستطع العقل أن يهتدي إليه لأنه لم يقع تحت الحس، فلا بد أن يخبرنا به الله، وأن يثبت ذلك بدليل قطعي الدلالة والثبوت. وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في آيات متعددة بأنه الأجل، وأن الله هو الذي يميت. فالموت يحصل بالأجل والذي يميت هو الله سبحانه وتعالى. وقد ورد ذلك في آيات متعددة: قال تعالى {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} ، {الله يتوفى الأنفس حين موتها}، {ربي الذي يحيي ويميت} ، {والله يحيي ويميت} ، {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} ، {قل إن الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم} ، {نحن قدرنا بينكم الموت} ، {إن اجل الله إذا جاء لا يؤخر} ، {إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} .
فهذه الآيات وغيرها قطعية الثبوت بأنها من الله، قطعية الدلالة بأن الله هو الذي يميت، وأن سبب الموت هو انتهاء الأجل، وليس الحالة التي حصل فيها الموت .
وعلى ذلك كان واجبا على المسلم أن يؤمن عقلاً وشرعاً بأن ما يظنه أسبابا للموت هو حالات وليست أسبابا، وأن السبب غيرها، وثبت شرعا من طريق الدليل القطعي أن الموت بيد الله، وأن الله هو الذي يميت، وأن سبب الموت هو انتهاء الأجل. وإذا جاء الأجل لا يؤخر ولا يقدم ولا يستطيع إنسان أن يتوقى من الموت أو يهرب منه مطلقاً، فهو آتيه لا محالة.
أما الذي أُمر الإنسان أن يتوقاه ويعمل على إبعاده عنه فهو الحالات التي يحصل منها الموت، فلا يعرض نفسه لأي حالة من الحالات التي يحصل فيها الموت عادة. أما الموت فلا يخاف منه، ولا يهرب منه لأنه لا يستطيع أن ينجو منه مطلقاً، لأن الإنسان لا يموت إلا بعد انتهاء أجله سواء مات موتاً طبيعياً أم قتلاً أم حرقاً أم غير ذلك. فالموت بيد الله والأجل بيد الله .
المصدر : منتديات مجالس الوفاء