فضل بر الوالدين:
بر الوالدين سنة الأنبياء:
بر الوالدين من صفات الأنبياء عليهم اسلام، وقد أمرنا سبحانه وتعالى في كتابه العظيم أن نقتدي برسله الكرام، فقال عز و جل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾(
، فرُسل الله سبحانه وتعالى وأنبياؤه بررة بوالديهم، وقد حكى الله عز و جل ذلك عنهم في كتابه الكريم، فقال:
يقول نوح عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾( 9).
ويقول إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾( 10)، ولما هدد آزر ابنه إبراهيم عليه السلام وقال له: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾، كان جواب إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾( 11).
وهذا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية؛ وذلك عندما قال له أبوه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾. فماذا كان رد ذلك الولد الصالح؟! قال كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾( 12).
ويقول عز و جل عن يحيى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾( 13).
ويقول عيسى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾( 14).
وهذا سيد الأنبياء وخاتمهم صلى الله عليه و سلم زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي»( 15).
وقال أبو الطفيل رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحمًا بالجعرانة - وأنا غلامٌ شابٌّ -، فأقبلتِ امرأةٌ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه فقعدتْ عليه فقلت: من هذه؟ قالوا: «أمّه التي أرضعته»( 16).
قرن الله عز و جل بر الوالدين بالتوحيد:
حيث جعله الله في المرتبة التي تلي حقه سبحانه في التوحيد، فقا سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ( 17)، وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾( 18)، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾(19 ).
لذا فإن رضا الرب من رضا الوالدين: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد»( 20).
بر الوالدين مقدَّم على الجهاد في سبيل الله عز و جل:
الذي هو ذروة سنام الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد فقال صلى الله عليه و سلم: «أحيّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»( 21)، فالابن إذا أبلغ جهده في برّهما والإحسان إليهما، وآثر هواهما على هواه؛ فإنّ ذلك يقوم مقام قتال العدو( 22).
بر الوالدين يستمرّ في ذرية الإنسان وعقبِه من بعده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعِفّوا تعِف نساؤكم»( 23).
بر الوالدين من أفضل الأعمال:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»(24 ).
بر الوالدين تفريجُ الكربات وإجابةُ الدعوات:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «انطلق ثلاثةُ رهطٍ ممن كان قبلَكم، حتى أواهم المبيتُ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبلِ فسدّتْ عليهمُ الغارَ، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا اللهَ بصالح أعمالكم، فقال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أَغْبِقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلبِ شيءٍ يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غَبُوقَهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أَغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت - والقَدَحُ على يدي - أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج»( 25).