من أعظم الحرمات والثوابت حكم تمثيل الصحابة
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فإنه لا شك عند أهل العلم المعتبرين المتبعين للسنة والمقتدين بسلف هذه الأمة في توقير الصحابة رضي الله عنهم أن تمثيلهم وتصويرهم في الإعلام المرئي أمر محرم ومنكر عظيم ويترتب عليه مفاسد متعددة ومزالق خطيرة. إن تمثيل الصحابة الكرام وخاصة الخلفاء رضي الله عنهم جناية عظيمة على تاريخ المسلمين المشرق.
وإنما يحرم ذلك للوجوه الآتية:
أولا: أن الله سبحانه زكاهم وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وتمثيلهم يؤدي إلى الاستخفاف بهم وزعزعة مكانتهم وهذا مخالف لخطاب القرآن.
ثانيا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم ووصفهم بأنهم خير هذه الأمة في قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). متفق عليه. وتمثيلهم يقدح في خيريتهم لأن المشاهد سيطلع على أخطائهم وتقصيرهم وفتنهم رضي الله عنهم ومهما حاول الممثل أن يحسن صورتهم لدى المشاهد لا بد أن يدخل في تمثيله خلل أو نقص من وجه قد لا يقصده الممثل في تصوير زيهم وكلامهم وهيئتهم وحركتهم وانفعالاتهم فكان الواجب إغلاق هذا الباب بالكلية.
ثالثا: أن هذا السلوك يخالف منهج أهل السنة في تعظيم الصحابة والثناء عليهم وعدم التعرض لما وقع بينهم من الفتن قال ابن قدامة: (ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم). وتمثيلهم بالتفصيل لا بد أن يخوض في الأحداث التي وقعت لهم وقد حرم العلماء عرض أحداث الصحابة لأنها تؤدي بالعامة إلى التشكيك في الصحابة واتهامهم بالتهم الباطلة.
رابعا: أن تمثيلهم من قبل حثالة الناس من قوم عرفوا بالفسق وإظهار المجون في كثير من الأعمال المرئية ومنهم من هو غير مسلم أو مبتدع يشوه شخصية الصحابي عند المتلقي ويرتبط في ذهنه بصورة ذهنية سيئة وهذا يسبب ذهاب المكانة الشرعية والهيبة من نفوس أبناء المسلمين من التوقير والتعظيم اللائق بهم ويصبح الناشئ ينظر لهم كما ينظر إلى سائر الناس.
خامسا: أن كثيرا من تفاصيل المسلسلات التي تجسد الصحابة رضي الله عنهم لا تثبت في دواوين السنة وليس لها أصل تاريخيا وما ثبت فيها من الأحداث الصحيحة لا يمكن تمثيلها واقعيا إلا بالزيادة فيها لتكون منسجمة وموائمة لقواعد التأليف والإخراج السينمائي وهذا حقيقته كذب في أطهر عباد الله بعد الأنبياء والعمل البشري مهما أتقن لا يسلم من الخطأ والتحريف فكيف نعرض ونمس مكانة الصحابة المحكمة بالنصوص باجتهاد بشري مظنون كما هو واضح للنقاد في كل الأعمال السابقة التي قامت بتمثيل الصحابة.
سادسا: أن القنوات المنتجة لهذه المسلسلات مقصودها الأكبر الربح المادي وترتكز في أعمالها على الإثارة ومخاطبة المشاعر وتمثيل الصحابة لا يخلو من الإثارة وإدخال العاطفة وإظهار الحرص على الدنيا والاختلاف على الرئاسة وكل هذا يقدح في مكانة الصحابة والقدح في الصحابة يؤدي إلى التشكيك في السنة والأحكام التي نقلوها لنا وهذا هو سبيل أهل البدع في كل زمان الطعن في الصحابة نقلة الشريعة. والقائمون على القنوات الماجنة عرفوا بنشر الرذيلة وزعزعة الثوابت فيجب إساءة الظن بهم ولا يحسن الظن بهم إلا جاهل أو مغرور ولو كانوا حريصين على نشر فضائل عمر ومحاسن الإسلام لأزالوا جميع الأعمال التي تروج للكفر وعبادة الصلبان والعدوانية والخنا بكل صوره.
سابعا: أن تمثيل مسلم معين افتيات على حقه الخاص وتعدي على شخصه ولا يحل إلا بإذنه كما أنه لا يحق تصوير أحد إلا بإذنه ولذلك لا يرضى الانسان العاقل ذو المروءة عادة من الحكام والعلماء لأحد بالقيام بتمثيله ويعده من السفه والاستهانة والانتقاص بشخصه فكيف نتساهل ونتهاون في حقوق الصحابة الخاصة وهم أموات.
ثامنا: أن التمثيل التلفزيوني التاريخي الناضج بقواعده وأنظمته وعرفه المعهود لا يخلو أبدا من عنصر الموسيقى وظهور النساء المتبرجات وقوة الخيال والمؤثرات الانفعالية والحبكة في التأليف النصي وتمثيل الأعداء وكل هذه مفاسد شرعية ينزه عنها مقام الصحابة رضي الله عنهم وإذا خلا التمثيل من هذه العناصر أصبح فاشلا خال من الإثارة ولذلك لم يخلو عمل تلفزيوني سابقا لأحد من الصحابة من هذه العناصر المحظورة.
ومن رخص في هذه المسلسلات أخطأ وخالف الشرع ومنهج العلماء ولم يرع حرمة الصحابة رضي الله عنهم فلا عبرة بقوله ويجب الإنكار عليه ولا يستغرب هذا القول ممن عرف باتباع مذهب التيسير والتلفيق في الفتوى واتباع الرخص الفاسدة واختيار الأقوال الشاذة والواجب عليه أن يتوب إلى الله ويرجع عن قوله قبل أن يخاصمه الصحابة رضي الله عنهم يوم القيامة لتعديه على حقوقهم. وتحقيق المصلحة والفائدة لهذا الدين لا يكون طريقها بمخالفة الشرع واتباع وسيلة مشبوهة والوقوع في المحظور وإنما يكون تعليم الخلق بسيرة الصحابة وتشر فضائلهم ومحاسنهم باتباع الطرق والوسائل المشروعة الصحيحة الموافقة للنصوص وآثار السلف.
وعلى هذا فيحرم إنتاج هذه الأعمال التلفزيونية وبيعها وترويجها والدعاية لها بأي وسيلة كانت وعرضها في القنوات ويجب على الدولة المسلمة منع هذه الأعمال وتعزير أصحابها والتشديد عليهم وإصدار نظام يمنع من القيام بهذه الأعمال وينبغي على الحاكم أن يحمي مكانة الصحابة رضي الله عنهم ويمنع جميع الوسائل التي تقدح فيهم فإن تعظيم الصحابة رضي الله عنهم وإظهار محاسنهم من أعظم الحرمات والثوابت التي تضمن بقاء دين الإسلام عزيزا في نفوس أهله.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com15/8/1433
http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/266.htmالمصدر: منتديات مجالس الوفاء :: مجلس زاد المسلم